التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٤
وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٣٥
-الأنفال

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذبهم، ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، ولهذا لما خرج من بين أظهرهم أوقع الله بهم بأسه يوم بدر فقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد، قال قتادة والسدي: لم يكن القوم يستغفرون ولو كانوا يستغفرون ما عذبوا. قال ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا، قال في الأنفال: { { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33] فنسختها الآية التي تليها { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } إلى قوله: { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } فقاتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والضر، وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس: { { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33]، ثم استثنى أهل الشرك فقال: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ }، وقوله: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي وكيف لا يعذبهم وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي بمكة، يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة فيه والطواف به، ولهذا قال: { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام وإنما أهله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما قال تعالى: { { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } [التوبة: 17-18]، وقال تعالى: { { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } [البقرة: 217] الآية. وقال الحافظ ابن مردويه في تفسير هذه الآية عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولياؤك؟ قال: كل تقي، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ }" . وقال الحاكم في مستدركه. جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فقال: "هل فيكم من غيركم فقالوا: فينا ابن أختنا وفينا حليفنا وفينا مولانا، فقال: حليفنا منا وابن أختنا منا ومولانا إن أوليائي منكم المتقون" .
وقال عروة والسدي في قوله تعالى: { أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } قال: هم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقال مجاهد: هم المجاهدون من كانوا حيث كانوا، ثم ذكر تعالى ما كانوا يعتمدونه عند المسجد الحرام وما كانوا يعاملونه به، فقال: { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } المكاء هو الصفير، وزاد مجاهد: وكانوا يدخلون أصابعهم في أفواههم. وقال السدي: المكاء الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء ويكون بأرض الحجاز. عن ابن عباس قال: كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق، والمكاء الصفير، والتصدية التصفيق. وقال ابن جرير عن ابن عمر في قوله: { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } قال: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق، وعن ابن عمر أيضاً أنه قال: إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفقون ويصفرون، ويصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، وقال الزهري: يستهزئون بالمؤمنين. وعن سعيد بن جبير { وَتَصْدِيَةً } قال: صدهم الناس عن سبيل الله عزَّ وجلَّ، قوله: { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } قال الضحّاك وابن جريج ومحمد بن إسحاق هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والسبي، واختاره ابن جرير عن مجاهد قال: عذاب أهل الإقرار بالسيف، وعذاب أهل التكذيب بالصيحة والزلزلة.