التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٩
-التوبة

مختصر تفسير ابن كثير

وهذا أيضاً من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا؛ هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، كما روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مراء، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، فنزلت: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ } الآية. وقال ابن عباس: جاء عبد الرحمٰن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه رجل من الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمٰن بما جاء به إلا رياء، وقالوا: إن الله ورسوله لغنيان عن هذا الصاع. وقال ابن إسحاق: كان من المطوعين من المؤمنين في الصدقات (عبد الرحمٰ ابن عوف) تصدق بأربعة آلاف درهم، و (عاصم بن عدي) أخو بني العجلان، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقة وحض عليها، فقام عبد الرحمٰن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف، وقام عاصم بن عدي وتصدق بمائة وسق من تمر، فلمزوهما وقالوا: ما هذا إلا رياء، وكان الذي تصدق بجهده (أبو عقيل) حليف بني عمرو بن عوف، أتى بصاع من تمر فأفرغه في الصدقة، فتضاحكوا به، وقالوا: إن الله لغني عن صاع أبي عقيل. وقال الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة قال، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً، قال: فجاء عبد الرحمٰن بن عوف فقال: يا رسول الله عندي أربعة آلاف، ألفين أقرضهما ربي وألفين لعيالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما امسكت وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر، فقال يا رسول الله: أصبت صاعين من تمر، صاع أقرضه لربي وصاع لعيالي، قال: فلمزه المنافقون وقالوا: ما أعطى الذي أعطى ابن عوف إلا رياء، وقالوا: ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنزل الله: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } الآية" وقوله: { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } هذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين، لأن الجزاء من جنس العمل، فعاملهم معاملة من سخر منهم انتصاراً للمؤمنين في الدنيا، وأعد للمنافقين في الآخرة عذاباً أليماً، لأن الجزاء من جنس العمل.