التفاسير

< >
عرض

بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ
١
-الفاتحة

تفسير القرآن العظيم

سورة الفاتحة

مكية وآياتها سبع

بسم الله الرحمن الرحيم

يقال لها الفاتحة، أي: فاتحة الكتاب خطاً، وبها تفتتح القراءة في الصلوات، ويقال لها أيضاً: أم الكتاب، عند الجمهور، ذكره أنس، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين: إنما ذلك اللوح المحفوظ، وقال الحسن: الآيات المحكمات هن أم الكتاب، ولذا كرها أيضاً أن يقال لها: أم القرآن. وقد ثبت في الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحمد لله رب العالمين أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم" ويقال لها: (الحمد) ويقال لها: (الصلاة) لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي" ... الحديثَ.

فسميت الفاتحة صلاة؛ لأنها شرط فيها. ويقال لها: (الشفاء) لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعاً: "فاتحة الكتاب شفاء من كل سم" ويقال لها: (الرقية) لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما يدريك أنها رقية" ؟ وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها (أساس القرآن) قال: وأساسها بسم الله الرحمن الرحيم. وسماها سفيان بن عيينة (بالواقية) وسماها يحيى بن أبي كثير (الكافية) لأنها تكفي عما عداها، ولا يكفي ما سواها عنها؛ كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة: "أم القرآن عوض من غيرها، وليس من غيرها عوض منها" ويقال لها: سورة الصلاة، والكنز، ذكرهما الزمخشري في كشافه.

وهي مكية، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية، وقيل: مدنية، قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري. ويقال: نزلت مرتين: مرة بمكة ومرة بالمدينة، والأول أشبه لقوله تعالى: { وَلَقَدْ ءاتَيْنَـٰكَ سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِي } [الحجر: 87] والله تعالى أعلم. وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة، ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهو غريب جداً، نقله القرطبي عنه.

وهي سبع آيات بلا خلاف، وقال عمرو بن عبيد: ثمان، وقال حسين الجعفي: ست، وهذان القولان شاذان، وإنما اختلفوا في البسملة هل هي آية مستقلة من أولها؛ كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول جماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف، أو بعض آية، أو لا تعد من أولها بالكلية؛ كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء، على ثلاثة أقوال؛ كما سيأتي تقريرها في موضعه إن شاء الله تعالى، وبه الثقة.

قالوا: وكلماتها خمس وعشرون كلمة، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفاً. قال البخاري في أول كتاب التفسير: وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة، وقيل: إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته. قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع: أمّاً، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: أم الرأس، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها: أمّاً، واستشهد بقول ذي الرمة:

على رأسِهِ أُمٌّ لنا نَقْتَدي بهاجماعُ أُمورٍ ليسَ نَعْصي لها أَمْراً

- يعني الرمح - قال: وسميت مكة أم القرى؛ لتقدمها أمام جميعها، وجمعها ما سواها. وقيل: لأن الأرض دحيت منها. ويقال لها أيضاً: الفاتحة؛ لأنها تفتتح بها القراءة، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام. وصح تسميتها بالسبع المثاني، قالوا: لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة؛ وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أم القرآن: "هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم" ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به. وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني" وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا محمد بن غالب بن حارث، حدثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي، حدثنا المعافى بن عمران عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحمد لله رب العالمين سبع آيات: بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم، وهي أم الكتاب، وفاتحة الكتاب" وقد رواه الدارقطني أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه، أو مثله، وقال: كلهم ثقات، وروى البيهقي عن علي وابن عباس أنهم فسروا قوله تعالى: { { سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِي } [الحجر: 87] بالفاتحة، وأن البسملة هي الآية السابعة منها، وسيأتي تمام هذا عند البسملة. وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعود: لمَ لم تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة، قال أبو بكر بن أبي داود: يعني حيث يقرأ في الصلاة، قال: واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها. وقد قيل: إن الفاتحة أول شيء أنزل من القرآن كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة، ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة، وقيل: { { يَٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } } [المدثر: 1] كما في حديث جابر في الصحيح وقيل { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } [العلق: 1] وهذا هو الصحيح كما سيأتي تقريره في موضعه والله المستعان.

ذكر ما ورد في فضل الفاتحة

قال الإمام أحمد بن حنبلرحمه الله تعالى في مسنده حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: "كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صليت، قال: فأتيته فقال: مامنعك أن تأتيني؟ قال قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي قال: ألم يقل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24] ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد قال: فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن، قال: نعم { الحمد لله رب العالمين } هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته" وهكذا رواه البخاري عن مسدد وعلي بن المديني، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان به، ورواه في موضع آخر من التفسير، وأبو داوود والنسائي وابن ماجه من طرق عن شعبة به، ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب، فذكر نحوه. وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنسرحمه الله ما ينبغي التنبيه عليه، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي أن أبا سعيد مولى ابن عامر بن كريز أخبرهم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي في المسجد، فلما فرغ من صلاته لحقه، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي وهو يريد أن يخرج من باب المسجد، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن لا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها قال أُبي رضي الله عنه: فجعلت أبطىء في المشي رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله ما السورة التي وعدتني؟ قال: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت عليه: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } حتى أتيت على آخرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي هذه السورة، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيت" فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري، وهذا تابعي من موالي خزاعة، وذاك الحديث متصل صحيح، وهذا ظاهره أنه منقطع إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أُبي بن كعب، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم والله أعلم. على أنه قد روي عن أُبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ بن كعب، وهو يصلي، فقال: يا أبيّ فالتفت، ثم لم يجبه، ثم قال: أبيّ فخفف أبي، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك أي رسول الله قال: وعليك السلام، ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني؟ فقال: أي رسول الله إني كنت في الصلاة، قال: أولست تجد فيما أوحى الله تعالى إلي { ;سْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24]؟ قال: بلى يا رسول الله لا أعود، قال: أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها؟ قلت: نعم أي رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن لا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها، قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني، وأنا أتبطأ مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث، فلما دنونا من الباب قلت: أي رسول الله ما السورة التي وعدتني؟ قال: ما تقرأ في الصلاة؟ قال: فقرأت عليه أم القرآن، قال: والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، إنها السبع المثاني" . ورواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، فذكره، وعنده: "أنها من السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته" .ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أنس بن مالك، ورواه عبد الله بن الإمام أحمد عن إسماعيل بن إبراهيم بن معمر عن أبى أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب، فذكره مطولاً بنحوه أو قريباً منه. وقد رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن أبي عمار حسين بن حريث عن الفضل بن موسى عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أنزل الله في التوراة، ولا في الإنجيل، مثل أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي نصفين" . هذا لفظ النسائي. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا هاشم، يعني ابن البريد، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء، فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي، قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي، قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي، قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا خلفه، حتى دخل رحله، ودخلت أنا المسجد، فجلست كئيباً حزيناً، فخرج عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر، فقال: "عليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله ثم قال: ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخْيَر سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: اقرأ: الحمد لله رب العالمين حتى تختمها" هذا إسناد جيد، وابن عقيل هذا يحتج به الأئمة الكبار، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي والله أعلم، ويقال: إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي فيما ذكره الحافظ ابن عساكر. واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض؛ كما هو المحكي عن كثير من العلماء، منهم إسحاق بن راهويه وأبو بكر بن العربي وابن الحفار من المالكية، وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك؛ لأن الجميع كلام الله، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه، وإن كان الجميع فاضلاً، نقله القرطبي عن الأشعري وأبي بكر الباقلاني وأبي حاتم بن حبان البستي، وأبي حيان، ويحيى بن يحيى ورواية عن الإمام مالك أيضاً.

حديث آخر، قال البخاري في فضائل القرآن: حدثنا محمد بن المثنى، "حدثنا وهب حدثنا هشام عن محمد عن معبد عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا في مسير لنا، فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نفرنا غُيَّبٌ، فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبناً. فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي؟ فقال: لا، ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي ونسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم" وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث، حدثنا هشام، حدثنا محمد بن سيرين حدثني معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري بهذا، وهكذا رواه مسلم وأبو داود من رواية هشام وهو ابن حسان عن ابن سيرين به، وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث أن أبا سعيد الخدري هو الذي رقى ذلك السليم، يعني اللديغ، ويسمونه بذلك تفاؤلاً.

(حديث آخر): روى مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم عن عمار بن زريق عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل، إذ سمع نقيضاً فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء، فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته" ، وهذا لفظ النسائي.

ولمسلم نحوه حديث آخر، قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو ابن راهويه حدثنا سفيان ابن عيينة عن العلاء، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج - ثلاثاً - غير تمام فقيل لأبي هريرة: إنا نكون خلف الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قال الله: أثنىٰ عليّ عبدي، فإذا قال { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } قال الله: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل" . وهكذا رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، وقد روياه أيضاً عن قتيبة عن مالك عن العلاء، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة، وفي هذا السياق: "فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل" . وهكذا رواه ابن إسحاق عن العلاء. وقد رواه مسلم من حديث ابن جريج عن العلاء عن أبي السائب هكذا. ورواه أيضاً من حديث ابن أبي أويس عن العلاء عن أبيه وأبي السائب، كلاهما عن أبي هريرة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وسألت أبا زرعة عنه، فقال: كلا الحديثين صحيح، من قال: عن العلاء عن أبيه، وعن العلاء عن أبي السائب. وقد روى هذا الحديث عبد الله بن الإمام أحمد من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب مطولاً. وقال ابن جرير: حدثنا صالح ابن مسمار المروزي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عنبسة بن سعيد عن مطرف بن طريف عن سعد بن إسحاق عن كعب بن عجرة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، وله ما سأل، فإذا قال العبد: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: حمدني عبدي، وإذا قال: { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قال: أثنى عليّ عبدي، ثم قال: هذا لي وله ما بقي" ، وهذا غريب من هذا الوجه.

الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه

(أحدها) أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة، والمراد القراءة؛ كقوله تعالى: { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلاً } [الإسراء: 110] أي: بقراءتك؛ كما جاء مصرحاً به في الصحيح عن ابن عباس، وهكذا قال في هذا الحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل" ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة، فدل على عظمة القراءة في الصلاة، وأنها من أكبر أركانها؛ إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة، كما أطلق لفظ القراءة، والمراد به الصلاة في قوله: { وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [الإسراء: 78] والمراد صلاة الفجر؛ كما جاء مصرحاً به في الصحيحين: «أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار» فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة، وهو اتفاق من العلماء، ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب، أم تجزىء هي أو غيرها؟ على قولين مشهورين، فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم، أنها لا تتعين، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة، واحتجوا بعموم قوله تعالى: { { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } [المزمل: 20] وبما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة المسيء في صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا قمت إلى الصلاة، فكبر ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن" قالوا: فأمره بقراءة ما تيسر، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها، فدل على ما قلنا.

(والقول الثاني) أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة، ولا تجزىء الصلاة بدونها، وهو قول بقية الأئمة؛ مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء، واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور حيث قال صلوات الله وسلامه عليه: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" والخداج هو الناقص كما فسر به في الحديث "غير تمام" ، واحتجوا أيضاً بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم "لا تجزىء صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن" والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ووجه المناظرة ههنا يطول ذكره، وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك رحمهم الله.

ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم أنه تجب قراءتها في كل ركعة. وقال آخرون: إنما تجب قراءتها في معظم الركعات. وقال الحسن وأكثر البصريين: إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات أخذاً بمطلق الحديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي: لا تتعين قراءتها، بل لو قرأ بغيرها أجزأه؛ لقوله تعالى: { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ } [المزمل: 20] والله أعلم. وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً: "لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة، في فريضة أو غيرها" وفي صحة هذا نظر، وموضع تحرير هذا كله في كتاب (الأحكام الكبير) والله أعلم.

(والوجه الثالث) هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء (أحدها) أنه تجب عليه قراءتها، كما تجب على إمامه؛ لعموم الأحاديث المتقدمة (والثاني) لا تجب على المأموم قراءة بالكلية، لا الفاتحة ولا غيرها، ولا في صلاة الجهرية ولا في صلاة السرية؛ لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" ولكن في إسناده ضعف. ورواه مالك عن وهب بن كيسان عن جابر من كلامه، وقد روي هذا الحديث من طرق، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم. (والقول الثالث) أنه تجب القراءة على المأموم في السرية لما تقدم، ولا يجب ذلك في الجهرية؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا" وذكر بقية الحديث، وهكذا رواه أهل السنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وإذا قرأ فأنصتوا" وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضاً، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول، وهو قول قديم للشافعيرحمه الله والله أعلم، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبلرحمه الله تعالى. والغرض من ذكر هذه المسائل ههنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا غسان بن عبيد عن أبي عمران الجوني عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، فقد أمنت من كل شيء إلا الموت"

تفسير الاستعاذة وأحكامها

قال الله تعالى: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف: 199 - 200] وقال تعالى: { { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّيـٰطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } [المؤمنون: 96 ـ 98] وقال تعالى: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظِّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ } [فصلت: 34 - 36] فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها، وهو أن الله تعالى يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه؛ ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموالاة والمصافاة، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحساناً، ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم؛ لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل؛ كما قال تعالى: { { يَـٰبَنِىۤ آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 27] وقال تعالى: { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ } [فاطر: 6] وقال: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلاً } [الكهف: 50] وقد أقسم للوالد آدم عليه السلام أنه له لمن الناصحين، وكذب، فكيف معاملته لنا وقد قال: { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ص: 83] وقال تعالى: { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَـٰنُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [النحل: 98 ـ 100].

قالت طائفة من القراء وغيرهم: يتعوذ بعد القراءة، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة، وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما نقله عنه ابن قلوقا وأبو حاتم السجستاني، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جنادة الهذلي المغربي في كتاب العبادة (الكامل)، وروي عن أبي هريرة أيضاً، وهو غريب، ونقله محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال: وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري. وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة عن مالكرحمه الله : أن القارىء يتعوذ بعد الفاتحة، واستغربه ابن العربي. وحكى قولاً ثالثاً، وهو الاستعاذة أولاً وآخراً جمعاً بين الدليلين، نقله الرازي. والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة؛ لدفع الموسوس عنها، ومعنى الآية عندهم { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } [النحل: 98] أي إذا أردت القراءة؛ كقوله تعالى { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } [المائدة: 6] الآية: أي إذا أردتم القيام، والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. قال الإمام أحمد بن حنبلرحمه الله : حدثنا محمد بن الحسن بن أنس حدثنا جعفر بن سليمان عن علي بن علي الرفاعي اليشكري عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثاً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان عن علي بن علي، وهو الرفاعي، وقال الترمذي: هو أشهر شيء في هذا الباب، وقد فسر الهمز بالموتة، وهي الخنق، والنفخ بالكبر، والنفث بالشعر، كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي عن نافع ابن جبير بن مطعم عن أبيه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة قال: الله أكبر كبيراً، ثلاثاً، الحمد لله كثيراً، ثلاثاً، سبحان الله بكرة وأصيلاً، ثلاثاً، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" قال عمرو: وهمزه: الموتة، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر، وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن المنذر حدثنا ابن فضيل حدثنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه" قال: همزه: الموتة، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر، وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا شريك عن يعلى بن عطاء عن رجل حدثه أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثاً، ثم قال: "لا إله إلا الله، ثلاث مرات، وسبحان الله وبحمده، ثلاث مرات" ثم قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي، حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن يزيد بن زياد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فتمزع أنف أحدهما غضباً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم شيئاً لو قاله لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن يوسف بن عيسى المروزي عن الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، به، وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل عن أبي سعيد عن زائدة، وأبو داود عن يوسف بن موسى عن جرير بن عبد الحميد، والترمذي والنسائي في اليوم والليلة عن بندار عن ابن مهدي عن الثوري والنسائي أيضاً من حديث زائدة بن قدامة، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى يخيل إليّ أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب فقال: ما هي يا رسول الله؟ قال: يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم قال: فجعل معاذ يأمره فأبى، وجعل يزداد غضباً" . وهذا لفظ أبي داود، وقال الترمذي: مرسل، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل؛ فإنه مات قبل سنة عشرين (قلت): وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب كما تقدم، وبلغه عن معاذ بن جبل؛ فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم. قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن الأعمش عن عدي بن ثابت قال: قال سليمان بن صرد رضي الله عنه: "استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، فأحدهما يسب صاحبه مغضباً، قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لست بمجنون" . وقد رواه أيضاً مع مسلم وأبي داود والنسائي من طرق متعددة عن الأعمش به.

وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها ههنا، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال والله أعلم. وقد روي أن جبريل عليه السلام أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة؛ كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا بشر بن عمارة، حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال: أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: «يا محمد استعذ» قال: "أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" ثم قال: «قل: بسم الله الرحمن الرحيم» ثم قال: { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } [العلق: 1] قال عبد الله: وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم بلسان جبريل. وهذا الأثر غريب وإنما ذكرناه ليعرف فإن في إسناده ضعفاً وانقطاعاً والله أعلم.

(مسألة) وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها وحكى الرازي عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة، قال: وقال ابن سيرين: إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب. واحتج الرازي لعطاء بظاهر الآية { فَٱسْتَعِذْ } وهو أمر ظاهره الوجوب، وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب. وقال بعضهم: كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة، ويتعوذ لقيام رمضان في أول ليلة منه.

(مسألة) وقال الشافعي في الإملاء: يجهر بالتعوذ وإن أسر فلا يضر وقال في الأم بالتخيير؛ لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى هل يستحب التعوذ فيها على قولين ورجح عدم الاستحباب، والله أعلم فإذا قال المستعيذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة، وزاد بعضهم: أعوذ بالله السميع العليم، وقال آخرون بل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لمطابقة أمر الآية ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور، والأحاديث الصحيحة كما تقدم أولى بالاتباع من هذا والله أعلم.

(مسألة) ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة، وهو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: بل للصلاة، فعلى هذا يتعوذ المأموم، وإن كان لا يقرأ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد، والجمهور بعدها قبل القراءة، ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له، وهو لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله، واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يدارى بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات من القرآن في ثلاث من المثاني. وقال تعالى: { { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } [الإسراء: 65] وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري، فمن قتله العدو الظاهر البشري كان شهيداً، ومن قتله العدو الباطني كان طريداً، ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجوراً، ومن قهره العدو الباطني كان مفتوناً أو موزوراً، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان.

(فصل) والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى، والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر، والعياذة تكون لدفع الشر، واللياذ يكون لطلب جلب الخير؛ كما قال المتنبي:

يا مَنْ ألوذُ به فيما أؤملُهُومَنْ أعوذُ به مِمَّنْ أحاذرُهُ
لا يَجْبُرُ الناسُ عَظْماً أنتَ كاسِرُهُولا يَهيضُونَ عَظْماً أنتَ جابِرُهُ

ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله، ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه؛ ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن؛ لأنه لا يقبل رشوة، ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه. وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة: قوله في الأعراف: { { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ } [الأعراف: 199] فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر، ثم قال: { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف: 200] وقال تعالى في سورة (قد أفلح المؤمنون): { { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّيـٰطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } [المؤمنون: 96 ـ 98] وقال تعالى في سورة حم السجدة: { وَلاَ تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظِّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [فصلت: 34 ـ 36].

الشيطان في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير. وقيل: مشتق من شاط؛ لأنه مخلوق من نار. ومنهم من يقول: كلاهما صحيح في المعنى، ولكن الأول أصح، وعليه يدل كلام العرب؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان عليه السلام:

أيُّما شاطِنٍ عَصاهُ عَكاهُثُمَّ يُلْقى في السجْنِ والأَغْلالِ

فقال: أيما شاطن، ولم يقل: أيما شائط. وقال النابغة الذبياني، وهو زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر ابن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان:

نَأَتْ بسعاد عنك نَوًى شَطونُفبانَتْ والفؤادُ بِها رهينُ

يقول: بعدت بها طريق بعيد. وقال سيبويه: العرب تقول: تشيطن فلان: إذا فعل فعل الشياطين، ولو كان من شاط لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح، ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطاناً، قال الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ عَدُوّاً شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام: 112] وفي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن فقلت: أوَ للإنس شياطين؟ قال: نعم" . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود فقلت: يا رسول الله ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر؟ فقال: الكلب الأسود شيطان" وقال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب برذوناً، فجعل يتبختر به، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبختراً، فنزل عنه وقال: ما حملتموني إلا على شيطان، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي، إسناده صحيح. والرجيم فعيل بمعنى مفعول، أي: إنه مرجوم مطرود عن الخير كله كما قال تعالى: { { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَـٰطِينِ } [الملك: 5] وقال تعالى: { { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَٰكِبِ وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَـٰنٍ مَّارِدٍ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 6 ـ 10] وقال تعالى: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِينَ وَحَفِظْنَـٰهَا مِن كُلِّ شَيْطَـٰنٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [الحجر: 16 ـ 18] إلى غير ذلك من الآيات. وقيل: رجيم بمعنى راجم؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس، والربائث، والأول أشهر وأصح.

[{ بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }] افتتح بها الصحابة كتاب الله، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل، ثم اختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة، أو من أول كل سورة كتبت في أولها، أو أنها بعض آية من كل سورة، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها، أو أنها إنما كتبت للفصل، لا أنها آية؟ على أقوال للعلماء سلفاً وخلفاً، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع، وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضاً، وروي مرسلاً عن سعيد بن جبير. وفي صحيح ابن خزيمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة، وعدها آية، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ـ وفيه ضعف ـ عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عنها، وروى له الدارقطني متابعاً عن أبي هريرة مرفوعاً، وروي مثله عن علي وابن عباس وغيرهما، وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا براءة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي، ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري، وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل في رواية عنه وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام رحمهم الله. وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست هي آية من الفاتحة، ولا من غيرها من السور. وقال الشافعي في قول في بعض طرق مذهبه: هي آية من الفاتحة، وليست من غيرها. وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة، وهما غريبان. وقال داود: هي آية مستقلة في أول كل سورة، لا منها، وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله. هذا ما يتعلق بكونها آية من الفاتحة أم لا.

فأما الجهر بها، فمفرع على هذا، فمن رأى أنها ليست من الفاتحة، فلا يجهر بها. وكذا من قال: إنها آية من أولها، وأما من قال بأنها من أوائل السور، فاختلفوا، فذهب الشافعيرحمه الله إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفاً وخلفاً، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة وابن عمر وابن عباس ومعاوية، وحكاه ابن عبد البر والبيهقي عن عمر وعلي، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهو غريب، ومن التابعين عن سعيد بن جبير وعكرمة وأبي قلابة والزهري وعلي بن الحُسين وابنه محمد وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وسالم ومحمد بن كعب القرظي وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وأبي وائل وابن سيرين ومحمد بن المنكدر وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد ونافع مولى ابن عمر وزيد بن أسلم وعمر بن عبد العزيز والأزرق بن قيس وحبيب بن أبي ثابت وأبي الشعثاء ومكحول وعبد الله بن معقل بن مقرن، زاد البيهقي: وعبد الله بن صفوان ومحمد بن الحنفية، زاد ابن عبد البر، وعمرو بن دينار، والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة، فيجهر بها كسائر أبعاضها. وأيضاً فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم. وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال الترمذي: وليس إسناده بذاك. وقد رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: صحيح. وفي صحيح البخاري: عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت قراءته مدّاً، ثم قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم. وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته: { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } وقال الدارقطني: إسناده صحيح. وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي والحاكم في مستدركه عن أنس أن معاوية صلى بالمدينة، فترك البسملة، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك، فلما صلى المرة الثانية بسمل. وفي هذه الأحاديث والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها. فأما المعارضات والروايات الغريبة وتطريقها وتعليلها وتضعيفها وتقريرها فله موضع آخر. وذهب آخرون أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مغفل، وطوائف من سلف التابعين والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وأحمد بن حنبل. وعند الإمام مالك أنه لا يقرأ البسملة بالكلية، لا جهراً ولا سراً، واحتجوا بما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين. وبما في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، ولمسلم: ولا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها، ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه. فهذه مآخذ الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة، وهي قريبة؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر، ولله الحمد والمنة.

فصل في فضلها

قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتمرحمه الله في تفسيره: حدثنا أبي حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني حدثنا سلام بن وهب الجندي حدثنا أبي عن طاوس عن ابن عباس "أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }؟ فقال: هو اسم من أسماء الله، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب" وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه عن سليمان بن أحمد عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك به، وقد روى الحافظ بن مردويه من طريقين عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن عيسى بن مريم عليه السلام أسلمته أمه إلى الكتّاب ليعلمه، فقال له المعلم: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: بسم الله، قال له عيسى: وما بسم الله؟ قال المعلم، ما أدري، قال له عيسى: الباء بهاء الله، والسين سناؤه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة" وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب زبرِيق عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل ابن يحيى عن ابن أبي مليكة عمن حدثه عن ابن مسعود ومسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهذا غريب جداً، وقد يكون صحيحاً إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات والله أعلم. وقد روى جويبر عن الضحاك نحوه من قبله، وقد روى ابن مردويه من حديث يزيد بن خالد عن سليمان بن بريدة، وفي رواية: عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن دواد وغيري، وهي { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }" وروي بإسناده عن عبد الكريم بن المعافى بن عمران عن أبيه عن عمر بن ذر عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: لما نزل { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه. وقال وكيع: عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } فيجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد. ذكره ابن عطية والقرطبي، ووجهه ابن عطية، ونصره بحديث: "لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها" لقول الرجل: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفاً، وغير ذلك. وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تعس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعس الشيطان، تعاظم، وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت: باسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب" هكذا وقع في رواية الإمام أحمد، وقد روى النسائي في اليوم والليلة وابن مردويه في تفيسره من حديث خالد الحذاء عن أبي تميمة، وهو الهجيمي، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير عن أبيه قال: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: لا تقل هكذا؛ فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت، ولكن قل: بسم الله؛ فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة" فهذا من تأثير بركة بسم الله، ولهذا تستحب في أول كل عمل وقول، فتستحب في أول الخطبة؛ لما جاء: "كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم" وتستحب البسملة عند دخول الخلاء؛ لما ورد من الحديث في ذلك، وتستحب في أول الوضوء؛ لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن من رواية أبي هريرة وسعيد بن زيد وأبي سعيد مرفوعاً: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" وهو حديث حسن. ومن العلماء من أوجبها عند الذكر ههنا، ومنهم من قال بوجوبها مطلقاً. وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة، وأوجبها آخرون عند الذكر، ومطلقاً في قول بعضهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله، وقد ذكر الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيت أهلك فسم الله؛ فإنه إن وجد لك ولد، كتب بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات" وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها، ولا غيرها، وهكذا تستحب عند الأكل؛ لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: "قل: بسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه. وكذلك تستحب عند الجماع؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فإنه إن يقدر بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبداً" .

ومن ههنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قوله: بسم الله، هل هو اسم أو فعل متقاربان، وكل قد ورد به القرآن، أما من قدره باسم تقديره بسم الله ابتدائي فلقوله تعالى: { { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [هود: 41] ومن قدره بالفعل أمراً أو خبراً نحو أبدأ بسم الله، أو ابتدأت باسم الله، فلقوله تعالى:{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } [العلق: 1] وكلاهما صحيح؛ فإن الفعل لا بد له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان قياماً أو قعوداً أو أكلاً أو شراباً أو قراءة أو وضوءاً أو صلاة، فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله تبركاً وتيمناً، واستعانة على الإتمام والتقبل والله أعلم. ولهذا روى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أول ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: «يا محمد قل: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» ثم قال: «قل: { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قال: قال له جبريل: بسم الله، يا محمد يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله تعالى» لفظ ابن جرير.

وأما مسألة الاسم، هل هو المسمى، أو غيره؟ ففيها للناس ثلاثة أقوال: أحدها أن الاسم هو المسمى، وهو قول أبي عبيدة وسيبويه، واختاره الباقلاني وابن فورك، وقال الرازي، وهو محمد بن عمر المعروف بابن خطيب الري في مقدمات تفسيره: قالت الحشوية والكرامية والأشعرية: الاسم نفس المسمى وغير نفس التسمية، وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمى ونفس التسمية، والمختار عندنا أن الاسم غير المسمى وغير التسمية، ثم نقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات متقطعة وحروف مؤلفة، فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، فهذا يكون من باب إيضاح الواضحات، وهوعبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث، ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى، بأنه قد يكون الاسم موجوداً، والمسمى مفقوداً؛ كلفظة المعدوم، وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعددة؛ كالمترادفة، وقد يكون الاسم واحداً، والمسميات متعددة كالمشترك، وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى، وأيضاً فالاسم لفظ، وهو عرض، والمسمى قد يكون ذاتاً ممكنة، أو واجبة بذاتها. وأيضاً فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى، لوجد اللافظ بذلك حر النار، أو برد الثلج، ونحو ذلك، ولا يقوله عاقل. وأيضاً فقد قال الله تعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف؛ 180] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن لله تسعة وتسعين اسماً" فهذه أسماء كثيرة، والمسمى واحد، وهو الله تعالى. وأيضاً فقوله: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ } [الأعراف: 180] أضافها إليه كما قال: { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 74] ونحو ذلك، فالإضافة تقتضي المغايرة. وقوله تعالى: { { فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180] أي فادعوا الله بأسمائه، وذلك دليل على أنها غيره. واحتج من قال: الاسم هو المسمى، بقوله تعالى: { تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [الرحمن: 78] والمتبارك هو الله تعالى. والجواب أن الاسم معظم؛ لتعظيم الذات المقدسة. وأيضاً فإذا قال الرجل: زينب طالق، يعني امرأته، طلقت، ولو كان الاسم غير المسمى؛ لما وقع الطلاق. والجواب أن المراد أن الذات المسماة بهذا الاسم طالق. قال الرازي: وأما التسمية؛ فإنه جعل الاسم معيناً لهذه الذات، فهي غير الاسم أيضاً والله أعلم.

(الله) علم على الرب تبارك وتعالى، يقال: إنه الاسم الأعظم؛ لأنه يوصف بجميع الصفات؛ كما قال تعالى: { { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الحشر: 22 ـ 24] فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له، كما قال تعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180] وقال تعالى: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110] وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة" وجاء تعدادها في رواية الترمذي وابن ماجه، وبين الروايتين اختلاف زيادة ونقصان، وقد ذكر الرازي في تفسيره عن بعضهم أن لله خمسة آلاف اسم: ألف في الكتاب والسنة الصحيحة، وألف في التوراة، وألف في الإنجيل، وألف في الزبور، وألف في اللوح المحفوظ.

وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى، ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاق من فعل يفعل، فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد لا اشتقاق له، وقد نقله القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيره، وروي عن الخليل وسيبويه أن الألف واللام فيه لازمة، قال الخطابي: ألا ترى أنك تقول: ياألله، ولا تقول: يا الرحمن، فلولا أنه من أصل الكلمة، لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام. وقيل: إنه مشتق، واستدلوا عليه بقول رؤبة بن العجاج:

لِلّهِ دَرُّ الغانِياتِ المدَّهِسَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهي

فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر، وهو التأله، من أله يأله إلاهة وتألهاً؛ كما روي عن ابن عباس أنه قرأ: (ويذرك وإلاهتك) قال: عبادتك، أي أنه كان يُعبد ولا يَعبد. وكذا قال مجاهد وغيره. وقد استدل بعضهم على كونه مشتقاً بقوله تعالى: { { وَهُوَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَفِى ٱلأَرْضِ } [الأنعام: 3] كما قال تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } [الزخرف: 84] ونقل سيبويه عن الخليل أن أصله إلاه مثل فعال، فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة. قال سيبويه: مثل الناس، أصله أناس. وقيل: أصل الكلمة لاه، فدخلت الألف واللام للتعظيم وهذا اختيار سيبويه. قال الشاعر:

لاهِ ابنُ عَمكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍعَني ولا أنتَ دَيَّانِي فَتَخُزُونِي

قال القرطبي: بالخاء المعجمة أي: فتسوسني، وقال الكسائي والفراء: أصله الإله، حذفوا الهمزة، وأدغموا اللام الأولى في الثانية؛ كما قال تعالى: { { لَّكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّى } [الكهف: 38] أي: لكن أنا، وقد قرأها كذلك الحسن، قال القرطبي: ثم قيل: هو مشتق من وله إذا تحير، والوله ذهاب العقل. يقال: رجل واله، وامرأة ولهى ومولوهة، إذا أرسل في الصحراء، فالله تعالى يحير أولئك، في الفكر في حقائق صفاته، فعلى هذا يكون ولاه، فأبدلت الواو همزة؛ كما قالوا في وشاح: إِشاح، ووسادة: إِسادة. وقال الرازي: وقيل: إنه مشتق من ألهت إلى فلان، أي: سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره، والأرواح لا تفرح إلا بمعرفته؛ لأنه الكامل على الإطلاق دون غيره، قال الله تعالى: { { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد: 28] قال: وقيل: من لاه يلوه إذا احتجب. وقيل: اشتقاقه من أله الفصيل: أولع بأمه. والمعنى أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال، قال: وقيل: مشتق من أله الرجل يأله إذا فزع من أمر نزل به، فألهه، أي: أجاره، فالمجير لجميع الخلائق من كل المضار هو الله سبحانه؛ لقوله تعالى: { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } [المؤمنون: 88] وهو المنعم؛ لقوله تعالى: { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [النحل: 53] وهو المطعم؛ لقوله تعالى: { { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } [الأنعام: 14] وهو الموجد؛ لقوله تعالى: { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء: 78] وقد اختار الرازي أنه اسم غير مشتق ألبتة، قال: وهو قول الخليل وسيبويه، وأكثر الأصوليين والفقهاء، ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه منها: أنه لو كان مشتقاً لاشترك في معناه كثيرون، ومنها أن بقية الأسماء تذكر صفات له، فتقول: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس، فدل أنه ليس بمشتق. قال: فأما قوله تعالى: { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [إبراهيم: 1] على قراءة الجر، فجعل ذلك من باب عطف البيان، ومنها قوله تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65] وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامداً غير مشتق نظر والله أعلم.

وحكى الرازي عن بعضهم أن اسم الله تعالى عبراني لا عربي، ثم ضعفه، وهو حقيق بالتضعيف كما قال، وقد حكى الرازي هذا القول، ثم قال: واعلم أن الخلائق قسمان: واصلون إلى ساحل بحر المعرفة، ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة، فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم، وأما الواجدون، فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال، فتاهوا في ميادين الصمدية، وبادوا في عرصة الفردانية، فثبت أن الخلائق كلهم والهون في معرفته، وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: لأن الخلق يألهون إليه، بفتح اللام وكسرها، لغتان. وقيل: إنه مشتق من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع: لاها، وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس: لاهت. وقيل: إنه مشتق من أله الرجل: إذا تعبد، وتأله: إذا تنسك، وقرأ ابن عباس: (ويذرك وإلاهتك) وأصل ذلك الإله، فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة، فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام الزائدة في أولها للتعريف، فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا في اللفظ لاماً واحدة مشددة، وفخمت تعظيماً، فقيل: الله.

(الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال: والرحمن: رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم: رحيم الآخرة، وزعم بعضهم أنه غير مشتق، إذ لو كان كذلك لاتصل بذكر المرحوم، وقد قال: { { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب: 43]. وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن المبرد أن الرحمن: اسم عبراني ليس بعربي. وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرحيم عربي، والرحمن عبراني؛ فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوب عنه. وقال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرّجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته" قال: وهذا نص في الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق، قال: وإنكار العرب لاسم الرحمن؛ لجهلهم بالله، وبما وجب له، قال القرطبي: ثم قيل: هما بمعنى واحد؛ كندمان ونديم، قاله أبو عبيد، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيل؛ فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل، نحو قولك: رجل غضبان للرجل الممتلىء غضباً، وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، قال الله تعالى: { { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب: 43] وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي: أكثر رحمة، ثم حكي عن الخطابي وغيره أنهم استشكلوا هذه الصفة، وقالوا: لعله أرفق؛ كما في الحديث "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" وقال ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب؛ وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يسأل الله يغضب عليه" وقال بعض الشعراء:

اللّهُ يغضبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤالَهُوبنيّ آدمَ حينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

وقال ابن جرير: حدثنا السري بن يحيى التميمي حدثنا عثمان بن زفر سمعت العزرمي يقول: { الرحمن الرحيم } قال: الرحمن لجميع الخلق، الرحيم قال: بالمؤمنين، قالوا: ولهذا قال: { { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [الفرقان: 59] وقال: { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه: 5] فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته، وقال: { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب: 43] فخصهم باسمه الرحيم. قالوا: فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة؛ لعمومها في الدارين لجميع خلقه، والرحيم خاصة بالمؤمنين، لكن جاء في الدعاء المأثور: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.

واسمه تعالى الرحمن خاص به لم يسم به غيره كما قال تعالى: { { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110] وقال تعالى: { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45] ولما تجهرم مسيلمة الكذاب، وتسمى برحمن اليمامة، كساه الله جلباب الكذب، وشهر به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب.

وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن؛ لأنه أكدّ به، والمؤكد لا يكون إلا أقوى من المؤكَّد، والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد، وإنما هو من باب النعت، ولا يلزم فيه ما ذكروه، وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره ووصفه أولاً بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره كما قال تعالى: { { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110] وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به، ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة. وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره، قال: { { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 128] كما وصف غيره بذلك من أسمائه كما قال تعالى { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً } [الإنسان: 2] والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره؛ كاسم الله والرحمن والخالق والرازق، ونحو ذلك، فلهذا بدأ باسم الله، ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم، لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص. فإن قيل: فإذا كان الرحمن أشد مبالغة، فهلا اكتفى به عن الرحيم، فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن، جيء بلفظ الرحيم؛ ليقطع الوهم بذلك، فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى، كذا رواه ابن جرير عن عطاء، ووجهه بذلك والله أعلم. وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى رد الله عليهم ذلك بقوله: { { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110]. ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "اكتب { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }" فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري وفي بعض الروايات: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. وقال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } [الفرقان: 60] والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم؛ فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن، قال ابن جرير: وقد أنشد بعض الجاهلية الجهال:

ألا ضربَتْ تلك الفتاةُ هجينَهاألا قَضَبَ الرَّحْمٰنُ رَبي يَمِيْنَها

وقال سلامة بن جندب الطهوي:

عَجِلْتُمْ عَلَيْنا إِذْ عَجِلْنا عَلَيْكُمُوما يَشَإِ الرَّحْمٰنْ يُعْقَدْ ويُطْلَقِ

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال: الرحمن: الفعلان، من الرحمة، هو من كلام العرب. وقال: { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } الرفيق الرقيق لمن أحب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه، وكذلك أسماؤه كلها. وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن الحسن قال: الرحمن اسم ممنوع. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو الأشهب عن الحسن قال: الرحمن اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه، تسمى به تبارك وتعالى. وقد جاء في حديث أم سلمة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته حرفاً حرفاً { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }" فقرأ بعضهم كذلك، وهم طائفة، ومنهم من وصلها بقوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }. وكسرت الميم لالتقاء الساكنين، وهم الجمهور، وحكى الكسائي من الكوفيين عن بعض العرب أنها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة، فيقولون: { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـٰنِ الَّرحِيْمَ الحَمْدُ لِلَّهِ رب العَالَمِينَ } فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها، كما قُرىء قول الله تعالى: { { الۤمۤ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُو } [آل عمران: 1 ـ 2] قال ابن عطية: ولم ترد هذه قراءة عن أحد فيما علمت.