يقول تعالى ذكره لفرعون: فاليوم نجعلك على نجوة من الأرض ببدنك، ينظر إليك هالكا من كذّب بهلاكك. {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} يقول: لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك، فينزجرون عن معصية الله والكفر به والسعي في أرضه بالفساد. والنجوة: الموضع المرتفع على ما حوله من الأرض، ومنه قوله أوس بن حجر
:
فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتِهِوالمُسْتَكِنُّ كمَنْ يَمْشِي بِقرْوَاحِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد وغيره قال: قالت بنو إسرائيل لموسى: إنه لم يمت فرعون. قال: فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه مثل الثور الأحمر.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد، قال: وكان من أكثر الناس، أو أحدث الناس عن بني إسرائيل. قال: فحدثنا أن أول جنود فرعون لما انتهى إلى البحر هابت الخيل اللهب، قال: ومثل لحصان منها فرس وديق، فوجد ريحها أحسبه أنا قال: فانسل فاتبعته قال: فلما تتامَّ آخر جنود فرعون في البحر وخرج آخر بني إسرائيل أمر البحر فانطبق عليهم، فقالت بنو إسرائيل: ما مات فرعون، وما كان ليموت أبدا فسمع الله تكذيبهم نبيه. قال: فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمر يتراءآه بنو إسرائيل.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن شداد: {فالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدنِكَ} قال: بدنه: جسده رمى به البحر.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن مجاهد: {فالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدنِكَ قال: بجسدك.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا تميم بن المنتصر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا الأصغر بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما جاوز موسى البحر بجميع من معه، التقى البحر عليهم يعني على فرعون وقومه فأغرقهم، فقال أصحاب موسى: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه فدعا ربه فأخرجه، فنبذه البحر حتى استيقنوا بهلاكه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {فالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} يقول: أنكر ذلك طوائف من بني إسرائيل، فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } قال: لما أغرق الله فرعون لم تصدق طائفة من الناس بذلك، فأخرجه الله آية وعظة.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي السليل عن قيس بن عباد أو غيره، بنحو حديث ابن عبد الأعلى، عن معمر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: {فالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدنِكَ} قال: بجسدك.
قال: ثنا محمد بن بكير، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد: {فالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدنِكَ} قال: بجسدك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: كذب بعض بني إسرائيل بموت فرعون، فرمى به على ساحل البحر ليراه بنو إسرائيل، قال: كأنه ثور أحمر.
وقال آخرون: تنجو بجسدك من البحر فتخرج منه. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: {فالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } يقول: أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر، فنظروا إليه بعد ما غرق.
فإن قال قائل: وما وجه قوله: ببدنك؟ وهل يجوز أن ينجيه بغير بدنه، فيحتاج الكلام إلى أن يقال فيه ببدنك؟ قيل: كان جائزاً أن ينجيه بهيئته حياً كما البحر فلما كان جائراً ذلك قيل فاليوم ننجيك ببدنك ليعلم أنه ينجيه بالبدن بغير روح، ولكن ميتاً.
وقوله: {وإنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ} يقول تعالى ذكره: {وإنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنَا} يعني: عن حججنا وأدلتنا على أن العبادة والألوهة لنا خالصة، {لغَافِلُونَ} يقول: لساهون، لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.