خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ
٢٧
-هود

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: فقال الكبراء من قوم نوح وأشرافهم، وهم الـملأ الذين كفروا بـالله وجحدوا نبوّة نبـيهم نوح علـيه السلام: { ما نَرَاكَ } يا نوح { إلاَّ بَشَرا مِثْلَنا } يعنون بذلك أنه آدميّ مثلُهم فـي الـخـلق والصورة والـجنس، كأنهم كانوا منكرين أن يكون الله يرسل من البشر رسولاً إلـى خـلقه. وقوله: { وَما نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أرَاذِلُنا بـادِيَ الرأيِ } يقول: وما نراك اتبعك إلا الذين هم سَفِلتنا من الناس دون الكبراء والأشراف فـيـما يُرَى ويظهر لنا. وقوله: { بـادِيَ الرأيِ } اختلفت القرّاء فـي قراءته، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والعراق:{ بـادِيَ الرأيِ } بغير همز «البـادي» وبهمز «الرأي»، بـمعنى: ظاهر الرأي، من قولهم: بدا الشيء يبدو: إذا ظهر، كما قال الراجز:

أضْحَى لـخالـي شَبَهِي بـادِيَ بَدِيْوصَارَ للفَحْلِ لِسانِـي وَيَدِي
«

بـادي بدي» بغير همز. وقال آخر:

وَقَدْ عَلَتْنِـي ذُرْأةٌ بـادِي بَدِي

وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: «بـادِىءَ الرأيِ» مهموز أيضا، بـمعنى: مبتدأ الرأي، من قولهم: بدأت بهذا الأمر: إذا ابتدأت به قبل غيره.

وأولـى القراءتـينِ بـالصواب فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: { بـادِيَ } بغير همز «البـادي»، وبهمز «الرأي»، لأن معنى ذلك الكلام: إلا الذين هم أراذلنا فـي ظاهر الرأي وفـيـما يظهر لنا.

وقوله: { وَما نَرَى لَكُمْ عَلَـيْنا مِنْ فَضْلٍ } يقول: وما نتبـين لكم علـينا من فضل نلتـموه بـمخالفتكم إيانا فـي عبـادة الأوثان إلـى عبـادة الله وإخلاص العبودة له، فنتبعكم طلب ذلك الفضل وابتغاء ما أصبتـموه بخلافكم إيانا { بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِـينَ } وهذا خطاب منهم لنوح علـيه السلام، وذلك أنهم إنـما كذّبوا نوحاً دون أتبـاعه، لأن أتبـاعه لـم يكونوا رسلاً. وأخرج الـخطاب وهو واحد مخرج خطاب الـجميع، كما قـيـل: { { يا أيُّها النَّبِـيُّ إذا طَلَّقْتُـمُ النِّساءَ } وتأويـل الكلام: بل نظنك يا نوح فـي دعواك أن الله ابتعثك إلـينا رسولاً كاذبـاً.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله { بـادِيَ الرأي } قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجا، عن ابن جريج، عن عطاء الـخُراسانـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { وَما نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أرَاذِلُنا بـادِيَ الرأيِ } قال: فـيـما ظهر لنا.