خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
٧٨
-هود

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: وجاء لوطاً قومه يستـحثون إلـيه يَرْعَدون مع سرعة الـمشي مـما بهم من طلب الفـاحشة، يقال: أُهْرِع الرجل من برد أو غضب أو حُمَّى: إذا أُرعد، وهو مُهْرِع إذا كان مُعْجَلاً حريصاً، كما قال الراجز:

بِـمُعْجَلاتٍ نَـحْوَهُ مَهارِعِ

ومنه قول مهلهل:

فجاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسارَىنَقُودُهُمُ علـى رَغْمِ الأُنُوفِ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } قال: يُهَرْوِلون، وهو الإسراع فـي الـمشي.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد والـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك: { وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } قال: يسعون إلـيه.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: فأتوه يُهرعون إلـيه، يقول: سراعاً إلـيه.

حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } قال: يسرعون إلـيه.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } يقول: يسرعون الـمشي إلـيه.

حدثنـي الـحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } قال: يهرولون فـي الـمشي. قال سفـيان: { يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } يسرعون إلـيه.

حدثنا سوّار بن عبد الله، قال: قال سفـيان بن عيـينة فـي قوله: { يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } قال: كأنهم يُدْفَعون.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: أقبلوا يُسْرعون مشياً بـين الهَرْولة والـجَمْز.

حدثنـي علـيّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } يقول: مسرعين.

وقوله: { وَمِنْ قبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ } يقول: من قبل مـجيئهم إلـى لوط كانوا يأتون الرجال فـي أدبـارهم. كما:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: { وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ } قال: يأتون الرجال.

وقوله: { قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتـي } يقول تعالـى ذكره: قال لوط لقومه لـما جاءوا يراودونه عن ضيفه: هؤلاء يا قوم بناتـي يعنـي نساء أمته فـانكِحوهن ف { هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ }. كما:

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } قال: أمرهم لوط بتزويج النساء، وقال: هن أطهر لكم.

حدثنا مـحمدقال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: وبلغنـي هذا أيضاً عن مـجاهد.

حدثنا ابن وكيع، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد: { هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } قال: لـم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكلّ نبـيّ أبو أمته.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عُلَـية، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } قال: أمرهم أن يتزوّجوا النساء، لـم يعرض علـيهم سفـاحاً.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا أبو بشر، سمعت ابن أبـي نـجيح يقول فـي قوله: { هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } قال: ما عرض علـيهم نكاحاً ولا سفـاحاً.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: { هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } قال: أمرهم أن يتزوّجوا النساء، وأراد نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يقـيَ أضيافه ببناته.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر عن الربـيع، فـي قوله: { هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } يعنـي التزويج.

حدثنـي أبو جعفر، عن الربـيع، فـي قوله: { هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } يعنـي التزويج.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو النعمان عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: ثنا مـحمد بن شبـيب الزهرانـي عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قول لوط: { هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } يعنـي: نساؤهم هنّ بناته هو نبـيهم. وقال فـي بعض القراءة: "النَّبِـيُّ أوْلـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وأزْوَاجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وهو أَبٌ لهم" .

حدثنـي موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ } قالوا: أو لـم ننهك أن تُضَيَّف العالـمين، قال: { هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } إن كنْتـم فـاعلـين { ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ }.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما جاءت الرسل لوطاً أقبل قومه إلـيهم حين أخبروا بهم يهرعون إلـيه. فـيزعمون والله أعلـم أن امرأة لوط هي التـي أخبرتهم بـمكانهم، وقالت: إن عند لوط لضيفـانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قَطُّ منهم وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فـاحشة لـم يسبقهم بها أحد من العالـمين. فلـما جاءوه قالوا: أوَ لـمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَـمِينَ أي ألـم نقل لك: لا يقربنك أحد، فإنا لن نـجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفـاحشة. { قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتـي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } فأنا أَفدى ضيفـي منكم بهنّ. ولـم يدْعهم إلا إلـى الـحلال من النكاح.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: { هَؤُلاءِ بَناتـي } قال: النساء.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ } فقرأته عامة القرّاء برفع أطهر، علـى أن جعلوا «هنّ» اسما، و«أطهر» خبره، كأنه قـيـل: بناتـي أطهر لكم مـما تريدون من الفـاحشة من الرجال. وذُكر عن عيسى بن عمر البصْري أنه كان يقرأ ذلك: «هنّ أطْهَرَ» لكم بنصب «أطهر». وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: هذا لا يكون، إنّـما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغنـي عن الـخبر إذا كان بـين الاسم والـخبر هذه الأسماء الـمضمرة. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: من نصبه جعله نكرة خارجة من الـمعرفة، ويكون قوله: «هنّ» عمادا للفعل فلا يعمله. وقال آخر منهم: مسموع من العرب: هذا زيد إياه بعينه، قال: فقد جعله خبراً لهذا مثل قولك: كان عبد الله إياه بعينه. قال: وإنـما لـم يجز أن يقع الفعل ههنا لأن التقريب ردّ كلام فلـم يجتـمعا لأنه يتناقض، لأن ذلك إخبـار عن معهود، وهذا إخبـار عن ابتداء ما هو فـيه: ها أنا ذا حاضر، أو زيد هو العالـم، فتناقض أن يدخـل الـمعهود علـى الـحاضر، فلذلك لـم يجز.

والقراءة التـي لا أستـجيز خلافها فـي ذلك: الرفع هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـيه مع صحته فـي العربـية، وبعد النصب فـيه من الصحة.

وقوله: { فـاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي } يقول: فـاخشوا الله أيها الناس، واحذروا عقابه فـي إتـيانكم الفـاحشة التـي تأتونها وتطلبونها. { وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي } يقول: وَلا تُذِلُّونـي بأن تركبوا منـي فـي ضيفـي ما يكرهون أن تركبوه منهم. والضيف فـي لفظ واحد فـي هذا الـموضع بـمعنى جمع، والعرب تسمي الواحد والـجمع ضيفـاً بلفظ واحد كما قالوا: رجل عدل، وقوم عدل.

وقوله: { ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } يقول: ألـيس منكم رجل ذو رشد يَنْهَي من أراد ركوب الفـاحشة من ضيفـي، فـيحول بـينهم وبـين ذلك؟ كما:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { فـاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشيدٌ } أي رجل يعرف الـحق وينهي عن الـمنكر.