خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ
٨٨
-يوسف

جامع البيان في تفسير القرآن

وفـي الكلام متروك قد استغنـي بذكر ما ظهر عما حذف، وذلك: فخرجوا راجعين إلـى مصر حتـى صاروا إلـيها، فدخـلوا علـى يوسف { فَلَـمَّا دَخَـلُوا عَلَـيْهِ قالُوا يا أيُّها العَزِيزُ مَسَّنا وأهْلَنا الضُّرُّ } أي الشدّة من الـجدب والقحط، { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ }. كما:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: وخرجوا إلـى مصر راجعين إلـيها ببضاعة مُزْجاة: أي قلـيـلة، لا تبلغ ما كانوا يتبـايعون به، إلاَّ أن يُتَـجاوز لهم فـيها، وقد رأوا ما نزل بأبـيهم، وتتابع البلاء علـيه فـي ولده وبصره، حتـى قدموا علـى يوسف. { فَلَـمَّا دَخَـلُوا عَلَـيْهِ قالُوا يا أيُّها العَزِيزُ } رجاء أن يرحمهم فـي شأن أخيهم، { مَسَّنا وأهْلَنا الضُّرُّ }. وعَنَى بقوله: { وَجِئْنا ببِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } بدراهم أو ثمن لا يجوز فـي ثمن الطعام إلاَّ لـمن يتـجاوز فـيها. وأصل الإزجاء: السَّوْق بـالدفع، كما قال النابغة الذبـيانـي:

وَهَبَّتِ الرّيحُ مِنْ تِلْقاءِ ذي أُرُلٍتُزْجِي معَ اللَّـيـلِ مِن صُرَّادها صِرَما

يعنـي تسوق وتدفع ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة:

الوَاهِبُ الـمِئَةَ الهِجانَ وعَبْدَهاعُوذًا تُزْجِّي خَـلْفَها أطْفـالَهَا

وقول حاتـم:

لـيَبْك علـى مِلْـحانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌوأرْمَلَةٌ تُزْجِي معَ اللَّـيـلِ أرْمَلا

يعنـي أنها تسوقه بـين يديها علـى ضعف منه عن الـمشي وعجز ولذلك قـيـل: { بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } لأنها غير نافقة، وإنـما تـجوز تـجويزاً علـى نفع من آخذيها. وقد اختلف أهل التأويـل فـي البـيان عن تأويـل ذلك، وإن كانت معانـي بـيانهم متقاربة. ذكر أقوال أهل التأويـل فـي ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس: { بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: ردية زيوف لا تنفَق حتـى يوضع منها.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا عمرو بن مـحمد العنقزي، قال: ثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: الردية التـي لا تنفَق حتـى يُوضَع منها.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: خَـلَقٍ، الغِرارة والـحبل والشيء.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان عن ابن أبـي ملـيكة، قال: سمعت ابن عبـاس، وسئل عن قوله: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: رثّة الـمتاع: الـحبل والغِرارة والشيء.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس، مثله.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: البضاعة: الدراهم، والـمزجاة: غير طائل.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن ابن أبـي زياد، عمن حدثه، عن ابن عبـاس، قال: كاسدة غير طائل.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا أبو حصين، عن سعيد بن جبـير وعكرمة: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال سعيد: ناقصة. وقال عكرمة: دراهم فُسُول.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير وعكرمة، مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير وعكرمة: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال أحدهما: ناقصة. وقال الآخر: ردية.

وبه قال: ثنا أبـي عن سفـيان، عن يزيد بن أبـي زياد، عن عبد الله بن الـحارث، قال: كان سمناً وصوفـاً.

حدثنا الـحسن، قال: ثنا علـيّ بن عاصم، عن يزيد بن أبـي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الـحارث وأنا عنده، عن قوله: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: قلـيـلة، متاع الأعراب: الصوف والسمن.

حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري، قال: ثنا مـحمد بن إسحاق البلـخيّ، قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن مروان بن عمرو العذريّ، عن أبـي إسماعيـل، عن أبـي صالـح، فـي قوله: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: الصنوبر والـحبة الـخضراء.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن يزيد بن الولـيد، عن إبراهيـم، فـي قوله: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: قلـيـلة، ألا تسمع إلـى قوله: «فأوقر ركابنا»، وهم يقرؤون كذلك.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم، أنه قال: ما أراها إلاَّ القلـيـلة، لأنها فـي مصحف عبد الله: «وأوقر ركابنا»، يعنـي قوله: مزجاة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن القعقاع بن يزيد، عن إبراهيـم، قال: قلـيـلة، ألـم تسمع إلـى قوله: «وأوقر ركابنا».

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي بكر الهذلـي، عن سعيد بن جبـير والـحسن: { بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال سعيد: الردية. وقال الـحسن: القلـيـلة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن يزيد، عن عبد الله بن الـحارث، قال: متاع الأعراب سمن وصوف.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية، قال: دراهم لـيست بطائل.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { مُزْجاةٍ } قال: قلـيـلة.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { مُزْجاةٍ } قال: قلـيـلة.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: ثنا قبـيصة بن عقبة، قال: ثنا سفـيان، عن يزيد بن أبـي زياد، عن عبد الله بن الـحارث: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: شيء من صوف، وشيء من سمن.

قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور، عن الـحسن، قال: قلـيـلة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مـحمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن حدثه، عن مـجاهد: { مُزْجاةٍ } قال: قلـيـلة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبـي حصين، عن عكرمة، قال: ناقصة. وقال سعيد بن جبـير: فُسول.

قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن سعيد بن جبـير: { وَجِئْنا ببِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: ردية.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، ظن الضحاك، قال: كاسدة لا تنفَق.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كاسدة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كاسدة غير طائل.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } يقول: كاسدة غير نافقة.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: ثنا إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: الناقصة، وقال عكرمة: فـيها تـجوّز.

قال: ثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: الدراهم الردية التـي لا تـجوز إلاَّ بنقصان.

قال: ثنا إسرائيـل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الدراهم الرُّذَال التـي لا تـجوز إلاَّ بنقصان.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: دراهم فـيها جواز.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ }: أي يسيرة.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ } قال: الـمزجاة: القلـيـلة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { وَجئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ }: أي قلـيـلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك، إلاَّ أن تتـجاوز لنا فـيها.

وقوله: { فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ } بها، وأعطنا بها ما كنت تعطينا قبلُ بـالثمن الـجيد والدراهم الـجائزة الوافـية التـي لا تردّ. كما:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ }: أي أعطنا ما كنت تعطينا قبل، فإن بضاعتنا مزجاة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: { فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ } قال: كما كنت تعطينا بـالدراهم الـجياد.

وقوله: { وَتَصَدَّقْ عَلَـيْنا } يقول تعالـى ذكره: قالوا: وتفضل علـينا بـما بـين سعر الـجياد والردية، فلا تنقصنا من سعر طعامك لرديّ بضاعتنا. { إنَّ اللّهَ يَجْزِي الـمُتَصَدّقِّـينَ } يقول: إن الله يثـيب الـمتفضلـين علـى أهل الـحاجة بأموالهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: { وَتَصَدَّقْ عَلَـيْنا } قال: تفضل بـما بـين الـجياد والردية.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن سعيد بن جبـير: { فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدَّق عَلَـيْنا } لا تنقصنا من السعر من أجل ردّي دراهمنا.

واختلفوا فـي الصدقة، هل كانت حلالاً للأنبـياء قبل نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم، أو كانت حراماً؟ فقال بعضهم: لـم تكن حلالاً لأحد من الأنبـياء علـيهم السلام. ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن سعيد بن جبـير، قال: ما سأل نبـيّ قط الصدقة، (و) لكنهم قالوا { جِئْنا بِبضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدَّقْ عَلَـيْنا } لا تنقصنا من السعر.

ورُوي عن ابن عيـينة ما:

حدثنـي به الـحارث، قال: ثنا القاسم، قال: يحكى عن سفـيان بن عيـينة أنه سئل: هل حرِّمت الصدقة علـى أحد الأنبـياء قبل النبـيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألـم تسمع قوله: { فَأَوْف لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدَّقْ عَلَـيْنا إنَّ اللّهَ يَجْزِي الـمُتَصَدّقِـينَ }.

قال الـحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيـينة إلـى أنهم لـم يقولوا ذلك إلاَّ والصدقة لهم حلال، وهم أنبـياء، فإن الصدقة إنـما حرمت علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم، لا علـيهم.

وقال آخرون: إنـما عنى بقوله: { وَتَصَدَّقْ عَلَـيْنا } وتصدّق علـينا بردّ أخينا إلـينا. ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: { وَتَصَدَّقْ عَلَـيْنا } قال: ردّ إلـينا أخانا.

وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج، وإن كان قولاً له وجه، فلـيس بـالقول الـمختار فـي تأويـل قوله: { وَتَصَدَّقْ عَلَـيْنا } لأن الصدقة فـي الـمتعارف: إنـما هي إعطاء الرجل ذا الـحاجة بعض أملاكه ابتغاء ثواب الله علـيه، وإن كان كل معروف صدقة، فتوجيه تأويـل كلام الله إلـى الأغلب من معناه فـي كلام من نزل القرآن بلسانه أولـى وأحرى.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال مـجاهد.

حدثنـي الـحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن عثمان بن الأسود، قال: سمعت مـجاهداً، وسئل: هل يكره أن يقول الرجل فـي دعائه: اللهمّ تصدّق علـيّ؟ فقال: نعم، إنـما الصدقة لـمن يبغي الثواب.