خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٣٧
-النحل

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: إن تـحرص يا مـحمد علـى هدى هؤلاء الـمشركين إلـى الإيـمان بـالله واتبـاع الـحقّ { فإنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ }.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الكوفـيـين: { فإنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يَضِلُّ } بفتـح الـياء من «يهدي»، وضمها من «يضلّ». وقد اختلف فـي معنى ذلك قارئوه كذلك، فكان بعض نـحويـي الكوفة يزعم أن معناه: فإن الله من أضله لا يهتدي، وقال: العرب تقول: قد هُدي الرجل يريدون قد اهتدى، وهُدي واهتدى بـمعنى واحد. وكان آخرون منهم يزعمون أن معناه: فإن الله لا يهدي من أضله، بـمعنى: أن من أضله الله فإن الله لا يهديه. وقرأ ذلك عامَّة قرّاء الـمدينة والشام والبصرة: «فإنَّ اللّهَ لاَ يُهْدَى» بضم الـياء من «يُهدى» ومن «يُضل» وفتـح الدال من «يُهدَى» بـمعنى: من أضله الله فلا هادي له.

وهذه القراءة أولـى القراءتـين عندي بـالصواب، لأن يَهْدي بـمعنى يهتدى قلـيـل فـي كلام العرب غير مستفـيض، وأنه لا فـائدة فـي قول قائل: من أضله الله فلا يهديه، لأن ذلك مـما لا يجهله أحد. وإذ كان ذلك كذلك، فـالقراءة بـما كان مستفـيضاً فـي كلام العرب من اللغة بـما فـيه الفـائدة العظيـمة أولـى وأحرى.

فتأويـل الكلام لو كان الأمر علـى ما وصفنا: إن تـحرص يا مـحمد علـى هداهم، فإن من أضله الله فلا هادي له، فلا تـجهد نفسك فـي أمره وبلغه ما أرسلت به لتتـمّ علـيه الـحجة. { وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ } يقول: وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم، فـيحول بـين الله وبـين ما أراد من عقوبتهم.

وفـي قوله: { إنْ تَـحْرِصْ } لغتان: فمن العرب من يقول: حَرَصَ يَحْرِصُ بفتـح الراء فـي فعَل وكسرها فـي يفعل. وحَرِصَ يَحْرَصُ بكسر الراء فـي فعِل وفتـحها فـي يفعَل. والقراءة علـى الفتـح فـي الـماضي والكسر فـي الـمستقبل، وهي لغة أهل الـحجاز.