خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٨٦
-البقرة

جامع البيان في تفسير القرآن

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } فـيتعبدها إلا بـما يسعها، فلا يضيق علـيها، ولا يجهدها. وقد بـينا فـيـما مضى قبل أن الوسع اسم من قول القائل: وسعنـي هذا الأمر مثل الـجُهْد والوُجْد من جهدنـي هذا الأمر ووجدت منه. كما:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } قال: هم الـمؤمنون، وسع الله علـيهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه: { { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] وقال: { { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } [البقرة: 185] وَقالَ: { { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَّا ٱسْتَطَعْتُم } [التغابن: 16].

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن عبـاس، قال: لـما نزلت ضجّ الـمؤمنون منها ضجة وقالوا: يا رسول الله هذا، نتوب من عمل الـيد والرجل واللسان، كيف نتوب من الوسوسة، كيف نـمتنع منها؟ فجاء جبريـل صلى الله عليه وسلم بهذه الآية: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } إنكم لا تستطيعون أن تـمتنعوا من الوسوسة.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } وسعها: طاقتها، وكان حديث النفس مـما لا يطيقون.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ }.

يعنـي بقوله جل ثناؤه لها: للنفس التـي أخبر أنه لا يكلفها إلا وسعها، يقول: لكل نفس ما اجترحت وعملت من خير؛ وعلـيها: يعنـي وعلـى كل نفس ما اكتسبت: ما عملت من شرّ. كما:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ } أي من خير { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } أي من شرّ، أو قال: من سوء.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { لَهَا مَا كَسَبَتْ } يقول: ما عملت من خير، { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } يقول: وعلـيها ما عملت من شرّ.

حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن قتادة، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن عبـاس: { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } عمل الـيد والرجل واللسان.

فتأويـل الآية إذا: لا يكلف الله نفساً إلا ما يسعها، فلا يجهدها، ولا يضيق علـيها فـي أمر دينها، فـيؤاخذها بهمة إن همت، ولا بوسوسة إن عرضت لها، ولا بخطرة إن خطرت بقلبها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }.

وهذا تعلـيـم من الله عزّ وجلّ عبـاده الـمؤمنـين دعاءه كيف يدعونه، وما يقولون فـي دعائهم إياه. ومعناه: قولوا: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا شيئاً فرضت علـينا عمله فلـم نعمله، أو أخطأنا فـي فعل شيء نهيتنا عن فعله ففعلناه، علـى غير قصد منا إلـى معصيتك، ولكن علـى جهالة منا به وخطأ. كما:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } إن نسينا شيئاً مـما افترضته علـينا، أو أخطأنا شيئاً مـما حرّمته علـينا.

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة فـي قوله: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قال: بلغنـي أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَـجَاوَزَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ نِسْيانِها وَما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا" .

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، قال: زعم السدي أن هذه الآية حين نزلت: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قال له جبريـل صلى الله عليه وسلم فقل ذلك يا مـحمد.

إن قال لنا قائل: وهل يجوز أن يؤاخذ الله عزّ وجلّ عبـاده بـما نسوا أو أخطؤا فـيسألوه أن لا يؤاخذهم بذلك؟ قـيـل: إن النسيان علـى وجهين: أحدهما: علـى وجه التضيـيع من العبد والتفريط؛ والآخر: علـى وجه عجز الناسي عن حفظ ما استـحفظ، ووكل به وضعف عقله عن احتـماله، فأما الذي يكون من العبد علـى وجه التضيـيع منه والتفريط، فهو ترك منا لـما أمر بفعله، فذلك الذي يرغب العبد إلـى الله عزّ وجلّ فـي تركه مؤاخذته به، وهو النسيان الذي عاقب الله عزّ وجل به آدم صلوات الله علـيه، فأخرجه من الـجنة، فقال فـي ذلك: { { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] وهو النسيان الذي قال جلّ ثناؤه: { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } [الأعراف: 51] فرغبة العبد إلـى الله عزّ وجلّ بقوله: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } فـيـما كان من نسيان منه لـما أمر بفعله علـى هذا الوجه الذي وصفنا ما لـم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطاً منه فـيه وتضيـيعاً، كفراً بـالله عزّ وجلّ، فإن ذلك إذا كان كفراً بـالله فإن الرغبة إلـى الله فـي تركه الـمؤاخذة به غير جائزة، لأن الله عزّ وجلّ قد أخبر عبـاده أنه لا يغفر لهم الشرك به، فمسألته فعل ما قد أعلـمهم أنه لا يفعله خطأ، وإنـما يكون مسألته الـمغفرة فـيـما كان من مثل نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه، وعن قراءته، ومثل نسيانه صلاة أو صياماً، بـاشتغاله عنهما بغيرهما حتـى ضيعهما. وأما الذي العبد به غير مؤاخذ لعجز بنـيته عن حفظه، وقلة احتـمال عقله ما وكل بـمراعاته، فإن ذلك من العبد غير معصية، وهو به غير آثم، فذلك الذي لا وجه لـمسألة العبد ربه أن يغفره له، لأنه مسألة منه له أن يغفر له ما لـيس له بذنب، وذلك مثل الأمر يغلب علـيه، وهو حريص علـى تذكره وحفظه، كالرجل يحرص علـى حفظ القرآن بجدّ منه، فـيقرؤه، ثم ينساه بغير تشاغل منه بغيره عنه، ولكن بعجز بنـيته عن حفظه وقلة احتـمال عقله، ذكر ما أودع قلبه منه، وما أشبه ذلك من النسيان، فإن ذلك مـما لا يجوز مسألة الربّ مغفرته، لأنه لا ذنب للعبد فـيه، فـيغفر له بـاكتسابه. وكذلك للـخطأ وجهان: أحدهما: من وجه ما نهي عنه العبد فـيأتـيه بقصد منه وإرادة، فذلك خطأ منه، وهو به مأخوذ، يقال منه: خَطىء فلان وأخطأ فـيـما أتـى من الفعل، وأثم إذا أتـى ما يتأثم فـيه وركبه، ومنه قول الشاعر:

النَّاس يَـلْـحَوْنَ الأميرَ إذَا هُمُخَطِئُوا الصَّوَابَ وَلا يُلامُ الـمُرْشَدُ

يعنـي: أخطأوا الصواب. وهذا الوجه الذي يرغب العبد إلـى ربه فـي صفح ما كان منه من إثم عنه، إلا ما كان من ذلك كفراً. والآخر منهما: ما كان عنه علـى وجه الـجهل به والظنّ منه، بأن له فعله، كالذي يأكل فـي شهر رمضان لـيلاً، وهو يحسب أن الفجر لـم يطلع، أو يؤخر صلاة فـي يوم غيـم وهو ينتظر بتأخيره إياها دخول وقتها فـيخرج وقتها وهو يرى أن وقتها لـم يدخـل، فإن ذلك من الـخطأ الـموضوع عن العبد الذي وضع الله عزّ وجلّ عن عبـاده الإثم فـيه، فلا وجه لـمسألة العبد ربه أن يؤاخذه به، وقد زعم قوم أن مسألة العبد ربه أن لا يؤاخذه بـما نسي أو أخطأ، إنـما هو فعل منه لـما أمره به ربه تبـارك وتعالـى، أو لـما ندبه إلـيه من التذلل له والـخضوع بـالـمسألة، فأما علـى وجه مسألته الصفح، فما لا وجه له عندهم وللبـيان عن هؤلاء كتاب سنأتـي فـيه إن شاء الله علـى ما فـيه الكفـاية لـمن وفق لفهمه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا }.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: قولوا: ربنا لا تـحمل علـينا إصراً: يعنـي بـالإصر: العهد، كما قال جل ثناؤه: { قَالَ ءأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى }. وإنـما عنى بقوله: { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا }: ولا تـحمل علـينا عهدا، فنعجز عن القـيام به ولا نستطيعه، { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } يعنـي علـى الـيهود والنصارى الذين كلفوا أعمالاً وأخذت عهودهم ومواثـيقهم علـى القـيام بها، فلـم يقوموا بها، فعوجلوا بـالعقوبة. فعلـم الله عزّ وجلّ أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم الرغبة إلـيه بـمسألته أن لا يحملهم من عهوده ومواثـيقه علـى أعمال إن ضيعوها أو أخطأوا فـيها أو نسوها مثل الذي حمل من قبلهم، فـيحلّ بهم بخطئهم فـيه وتضيـيعهم إياه مثل الذي أحلّ بـمن قبلهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { لاَّ تَحْمِلُ عَلَيْنَا إِصْرًا } قال: لا تـحمل علـينا عهداً وميثاقاً، { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } يقول: كما غلظ علـى من قبلنا.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن موسى بن قـيس الـحضرمي، عن مـجاهد فـي قوله: { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا } قال: عهداً.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: { إِصْرًا } قال: عهداً.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس فـي قوله: { إِصْرًا } يقول: عهداً.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } والإصر: العهد الذي كان علـى من قبلنا من الـيهود.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج قوله: { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا } قال: عهداً لا نطيقه، ولا نستطيع القـيام به، { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } الـيهود والنصارى، فلـم يقوموا به فأهلكتهم.

حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: { إِصْرًا } قال: الـمواثـيق.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: الإصر: العهد؛ { وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى } قال: عهدي.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { { وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى } [آل عمران: 81] قال: عهدي.

وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تـحمل علـينا ذنوبـاً وإثماً كما حملت ذلك علـى من قبلنا من الأمـم، فتـمسخنا قردة وخنازير كما مسختهم. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي، قال: ثنا بقـية بن الولـيد، عن علـيّ بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبـي ربـاح فـي قوله: { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } قال: لا تـمسخنا قردة وخنازير.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } لا تـحمل علـينا ذنبـا لـيس فـيه توبة ولا كفـارة.

وقال آخرون: معنى الإصر بكسر الألف: الثقل. ذكر من قال ذلك:

حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } يقول: التشديد الذي شددته علـى من قبلنا من أهل الكتاب.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألته، يعنـي مالكا، عن قوله: { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا } قال: الإصر: الأمر الغلـيظ.

فأما الأصر بفتـح الألف: فهو ما عطف الرجل علـى غيره من رحم أو قرابة، يقال: أصرتنـي رحم بـينـي وبـين فلان علـيه، بـمعنى: عطفتنـي علـيه، وما يأصرنـي علـيه: أي ما يعطفنـي علـيه، وبـينـي وبـينه أصر رحم يأصرنـي علـيه أصرا: يعنـي به: عاطفة رحم تعطفنـي علـيه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ }.

يعنـي بذلك جل ثناؤه: وقولوا أيضاً: ربنا لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القـيام به لثقل حمله علـينا. وكذلك كانت جماعة أهل التأويـل يتأوّلونه. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } تشديد يشدّد به كما شدّد علـى من كان قبلكم.

حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك قوله: { وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } قال: لا تـحملنا من الأعمال ما لا نطيق.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } لا تفترض علـينا من الدين ما لا طاقة لنا به، فنعجز عنه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: { وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } مسخ القردة والـخنازير.

حدثنـي سلام بن سالـم الـخزاعي، قال: ثنا أبو حفص عمر بن سعيد التنوخي، قال: ثنا مـحمد بن شعيب بن سابور، عن سالـم بن شابور فـي قوله: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } قال: الغلـمة.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } من التغلـيظ والأغلال التـي كانت علـيهم من التـحريـم.

(وإنـما قلنا: إن تأويـل ذلك: ولا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القـيام به علـى نـحو الذي قلنا فـي ذلك، لأنه عقـيب مسألة الـمؤمنـين ربهم أن لا يؤاخذهم إن نسوا أو أخْطَأُوا، وأن لا يحمل علـيهم إصراً كما حمله علـى الذين من قبلهم، فكان إلـحاق ذلك بـمعنى ما قبله من مسألتهم فـي الدين أولـى مـما خالف ذلك الـمعنى.)

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا }.

وفـي هذا أيضا من قول الله عزّ وجلّ خبراً عن الـمؤمنـين من مسألتهم إياه ذلك الدلالة الواضحة أنهم سألوه تـيسير فرائضه علـيهم بقوله: { وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } لأنهم عقبوا ذلك بقولهم: { وَٱعْفُ عَنَّا } مسألة منهم ربهم أن يعفو لهم عن تقصير إن كان منهم فـي بعض ما أمرهم به من فرائضه، فـيصفح لهم عنه، ولا يعاقبهم علـيه، وإن خفّ ما كلفهم من فرائضه علـى أبدانهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { وَٱعْفُ عَنَّا } قال: اعف عنا إن قصرنا عن شيء من أمرك مـما أمرتنا به. وكذلك قوله: { وَٱغْفِرْ لَنَا } يعنـي: واستر علـينا زلة إن أتـيناها فـيـما بـيننا وبـينك، فلا تكشفها ولا تفضحنا بإظهارها. وقد دللنا علـى معنى الـمغفرة فـيـما مضى قبل.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد { وَٱغْفِرْ لَنَا } إن انتهكنا شيئاً مـما نهيتنا عنه.

(القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَٱرْحَمْنَا }.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: تغمدنا منك برحمة تنـجينا بها من عقابك، فإنه لـيس بناج من عقابك أحد إلا برحمتك إياه دون عمله، ولـيست أعمالنا منـجيتنا إن أنت لـم ترحمنا، فوفقنا لـما يرضيك عنا. كما:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { وَٱرْحَمْنَا } قال: يقول: لا ننال العمل بـما أمرتنا به، ولا نترك ما نهيتنا عنه إلا برحمتك، قال: ولـم ينـج أحد إلا برحمتك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ }.

يعنـي بقوله جل ثناؤه: { أَنتَ مَوْلَـٰنَا } أنت ولـينا بنصرك دون من عاداك وكفر بك، لأنا مؤمنون بك ومطيعوك فـيـما أمرتنا ونهيتنا، فأنت ولـيّ من أطاعك، وعدوّ من كفر بك فعصاك، فـانصرنا لأنا حزبك، علـى القوم الكافرين الذي جحدوا وحدانـيتك، وعبدوا الآلهة والأنداد دونك، وأطاعوا فـي معصيتك الشيطان. والـمولـى فـي هذا الـموضع الـمفعل من وَلَـى فلان أمر فلان فهو يـلـيه ولاية، وهو ولـيه ومولاه، وإنـما صارت الـياء من ولـى ألفـاً لانفتاح اللام قبلها التـي هي عين الاسم.

وقد ذكروا أن الله عزّ وجلّ لـما أنزل هذه الآية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، استـجاب الله له فـي ذلك كله. ذكر الأخبـار التـي جاءت بذلك:

حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم ومـحمد بن خـلف قالا: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: قال لـما نزلت هذه الآية: { ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } قال: قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلـما انتهى إلـى قوله: { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } قال الله عز وجل: «قد غفرت لكم»، فلـما قرأ: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قال الله عز وجل: «لا أحملكم» فلـما قرأ: { وَٱغْفِرْ لَنَا } قال الله تبـارك وتعالـى: «قد غفرت لكم»، فلـما قرأ: { وَٱرْحَمْنَا } قال الله عز وجل: «قد رحمتكم»، فلـما قرأ: { وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } قال الله عز وجل: «قد نصرتكم علـيهم».

حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: أتـى جبريـل النبـي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مـحمد قل: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } فقالها، فقال جبريـل: قد فعل، وقال له جبريـل: قل { رَبَّنَا لاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } فقالها، فقال جبريـل: قد فعل، فقال: قل { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ }، فقالها: فقال جبريـل صلى الله عليه وسلم: قد فعل، فقال: قل { وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ }. فقالها، فقال جبريـل: قد فعل.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، قال: زعم السدي أن هذه الآية حين نزلت: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } فقال له جبريـل: فعل ذلك يا مـحمد، { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } فقال له جبريـل فـي كل ذلك: فعل ذلك يا مـحمد.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا سفـيان، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن آدم بن سلـيـمان مولـى خالد، قال: سمعت سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: أنزل الله عز وجل: { آمَنَٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } إلـى قوله: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }، فقرأ: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قال: فقال: قد فعلت، { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } فقال: قد فعلت، { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } قال: قد فعلت، { وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } قال: قد فعلت.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسحاق بن سلـيـمان، عن مصعب بن ثابت، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: أنزل الله عز وجل: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قال أبـي: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَعَمْ" .

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو حميد، عن سفـيان، عن آدم بن سلـيـمان، عن سعيد بن جبـير: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قال: ويقول قد فعلت، { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } قال: ويقول قد فعلت. فأعطيت هذه الأمة خواتـيـم سورة البقرة، ولـم تعطها الأمـم قبلها.

حدثنا علـي بن حرب الـموصلـي، قال: ثنا ابن فضيـل، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس فـي قول الله عز وجل { آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } إلـى قوله: { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } قال: قد غفرت لكم، { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } إلـى قوله: { لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قال: لا أؤاخذكم، { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } قال: لا أحمل علـيكم، إلـى قوله: { وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا } إلـى آخر السورة، قال: قد عفوت عنكم، وغفرت لكم، ورحمتكم، ونصرتكم علـى القوم الكافرين.

وروي عن الضحاك بن مزاحم أن إجابة الله للنبـيّ صلى الله عليه وسلم خاصة.

حدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } كان جبريـل علـيه السلام يقول له سلها، فسألها نبـيّ الله ربه جل ثناءه، فأعطاه إياها، فكانت للنبـيّ صلى الله عليه وسلم خاصة.

حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: ثنا أبو نعيـم، قال: ثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق: أن معاذاً كان إذا فرغ من هذه السورة: { وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } قال: آمين.