خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ
١٠٥
قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ
١٠٦
-المؤمنون

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: يقال لهم:{ أَلَمْ تَكُنْ آياتِـي تُتْلَـى عَلَـيْكُمْ } يعنـي آيات القرآن تتلـى علـيكم فـي الدنـيا،{ فَكُنْتُـمْ بِها تُكَذّبُونَ }. وترك ذكر «يقال» لدلالة الكلام علـيه. { قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: { غَلَبَت عَلَـيْنا شِقْوَتُنا } بكسر الشين، وبغير ألف. وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة: «شَقاوَتُنا» بفتـح الشين والألف.

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، وقرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء بـمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام: قالوا: ربنا غلبت علـينا ما سبق لنا فـي سابق علـمك وخطّ لنا فـي أمّ الكتاب.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بَزَّة، عن مـجاهد، قوله:{ غَلَبْتَ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا } قال: التـي كتبت علـينا.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله:{ غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا } التـي كتبت علـينا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.

وقال: قال ابن جريج: «بلغنا أن أهل النار نادوا خَزَنة جهنـم: أنُ ادْعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب فلـم يجيبوهم ما شاء الله فلـما أجابوهم بعد حين قالوا: ادعوا وما دعاء الكافرين إلا فـي ضلال. قال: ثم نادوا مالكاً: يا مالك لـيقضِ علـينا ربك فسكت عنهم مالك خازن جهنـم أربعين سنة، ثم أجابهم فقال: إنَّكُمْ ماكِثُونَ. ثم نادى الأشقـياء ربهم، فقالوا:{ رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا وكُنَّا قَوْماً ضَالِّـينَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنَّا ظالِـمُونَ } فسكت عنهم مثل مقدار الدنـيا، ثم أجابهم بعد ذلك تبـارك وتعالـى: { اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلِّـمُونِ } .

قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد الله، قال: "ينادِي أهل النار أهل الـجنة فلا يجيبونهم ما شاء الله، ثم يقول: أجيبوهم وقد قطع الرَّحِمَ والرحمة. فـيقول أهل الـجنة: يا أهل النار علـيكم غضب الله يا أهل النار علـيكم لعنة الله يا أهل النار، لا لَبَّـيْكم ولا سَعْدَيْكم ماذا تقولون؟ فـيقولون: ألـم نك فـي الدنـيا آبـاءكم وأبناءكم وإخوانكم وعشيرتكم؟ فـيقولون: بلـى. فـيقولون: { أفِـيضُوا عَلَـيْنا مِنَ الـمَاءِ أوْ مِـما رَزَقَكُمُ اللّهُ قالُوا إنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلـى الكافِرِينَ }" .

قال: ثنـي حجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ قال: وثنـي عَبْدة الـمُرُوزِيّ، عن عبد الله بن الـمبـارك، عن عمرو بن أبـي لـيـلـى، قال: سمعت مـحمد بن كعب، زاد أحدهما علـى صاحبه، قال مـحمد بن كعب: بلغنـي، أو ذُكر لـي، أن أهل النار استغاثوا بـالـخَزَنة، ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب فردّوا علـيهم ما قال الله فلـما أيسوا نادَوا: يا مالك وهو علـيهم، وله مـجلس فـي وسطها، وجسور تـمرّ علـيها ملائكة العذاب، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا: يا مالك، لـيقض علـينا ربك سألوا الـموت. فمكث لا يجيبهم ثمانـين ألفَ سنة من سنـي الآخرة، أو كما قال. ثم انـحطَّ إلـيهم، فقال: { إنَّكُمْ ماكثونَ } فلـما سمعوا ذلك قالوا: فـاصبروا، فلعلّ الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنـيا علـى طاعة الله قال: فصَبَروا، فطال صبرهم، فنادَوا: { سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ } : أي مَنْـجًى، فقام إبلـيس عند ذلك فخطبهم، فقال: { إنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الـحَقِّ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأخْـلَفْتُكُمْ وَما كانَ لـي عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ } ، فلـما سمعوا مقالتهم، مَقَتُوا أنفسهم، قال: فُنودوا: { لَـمَقْتُ اللّهِ أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ إذْ تُدْعُوْنَ إلـى الاْيـمَانِ فَتَكْفُرُونَ قالُوا رَبَّنا أمَتَّنَا... } الآية، قال: فـيجيبهم الله فـيها: { ذَلَكُمْ بأنَّهُ إذَا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُـمْ وَإنْ يُشْرَكْ بِهه تُؤْمِنُوا فـالـحُكْمُ لِلّهِ العَلـيّ الكَبِـيرِ } . قال: فـيقولون: ما أيسنا بعدُ قال: ثم دَعَوا مرّة أخرى، فـيقولون: { رَبَّنا أبْصَرْنا وَسمِعْنا فـارْجِعْنا نَعْمَلْ صَالِـحا إنَّا مُوقِنُونَ } قال: فـيقول الربّ تبـارك وتعالـى: { وَلَوْ شِئْنا لآتَـيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاها } يقول الربّ: لو شئت لهديت الناس جميعاً فلـم يختلف منهم أحد { ولكنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّـي لاَءَمْلأَنَّ جَهَنَّـمَ مِنَ الـجِنَّةِ والنَّاسِ أجَمعِينَ فَذُوقُوا بِـمَا نَسِيتُـمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } يقول: بـما تركتـم أن تعملوا لـيومكم هذا، { إنَّا نَسِيناكُمْ } : أي تركناكم، { { وَذُوقُوا عَذَابَ الـخُـلْدِ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ } . قال: فـيقولون: ما أيسنا بعد قال: فـيدعون مرّة أخرى: { رَبَّنا أخِّرْنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ نُـجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ } قال: فـيقال لهم: { أوَ لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَـمُوا أَنْفُسَهُمْ... } الآية، قال: فـيقولون: ما أيسنا بعد ثم قالوا مرّة أخرى: { رَبَّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صَالِـحا غيرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } ، قال: فـيقول: { أوَ لَـمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِـيهِ مِنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ... } إلـى: { نَصِيرٍ }. ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: { أَلَـمْ تَكُنْ آياتِـي تُتْلَـى عَلَـيْكُمْ فَكُنْتُـمْ بِها تُكَذّبُونَ } فلـما سمعوا ذلك قالوا: الآن يرحمنا فقالوا عند ذلك: { رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا }: أي الكتاب الذي كتب علـينا { وكُنَّا قَوْما ضَالِّـينَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِنْها... } الآية، فقال عند ذلك:{ اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلِّـمُونِ } قال: فلا يتكلـمون فـيها أبدا. فـانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم ينبح فـي وجه بعض، فأَطْبَقت علـيهم. قال عبد الله بن الـمبـارك فـي حديثه: فحدثنـي الأزهر بن أبـي الأزهر أنه قال: فذلك قوله:{ هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لهُمْ فَـيَعْتَذِرُونَ }.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد الله، أنه قال: فوالذي أنزل القرآن علـى مـحمد والتوراة علـى موسى والإنـجيـل علـى عيسى، ما تكلـم أهل النار كلـمة بعدها إلا الشهيق والزَّعيق فـي الـخـلد أبدا لـيس له نفـاد.

قال: ثنـي حجاج، عن أبـي معشر، قال: كنا فـي جنازة ومعنا أبو جعفر القارىء، فجلسنا، فتنـحى أبو جعفر، فبكى، فقـيـل له: ما يبكيك يا أبـا جعفر؟ قال: أخبرنـي زيد بن أسلـم أن أهل النار لا يتنفسون.

وقوله:{ وكُنَّا قَوْما ضَالِّـينَ } يقول: كنا قوما ضَلَلْنا عن سبـيـل الرشاد وقصد الـحقّ.