خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ
٣١
ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٣٢
-القصص

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: نُودي موسى: { { أن يا موسى إنِّـي أنا اللّهُ ربُّ العَالَـمِين. وأنْ ألْقِ عَصَاكَ } فألقاها موسى، فصارت حية تسعى { فَلَـمَّا رآها } موسى { تَهْتَزُّ } يقول: تتـحرّك وتضطرب { كأنَّها جانّ } والـجانّ: واحد الـجِنَّان، وهي نوع معروف من أنواع الـحيات، وهي منها عظام. ومعنى الكلام: كأنها جانّ من الـحيات { وَلَّـى مُدْبِراً } يقول: ولـى موسى هاربـا منها. كما:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { وَلَّـى مُدْبِراً } فـاراً منهَا، { ولَـمْ يُعَقِّبْ } يقول: ولـم يرجع علـى عقبه.

وقد ذكرنا الرواية فـي ذلك، وما قاله أهل التأويـل فـيـما مضى، فكرهنا إعادته، غير أنا نذكر فـي ذلك بعض ما لـم نذكره هنالك.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { ولَـمْ يُعَقِّبْ } يقول: ولـم يعقب، أي لـم يـلتفت من الفرق.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { ولَـم يُعَقِّبْ } يقول: لـم ينتظر.

وقوله: { يا مُوسَى أقْبِلْ وَلا تَـخَفْ } يقول تعالـى ذكره: فنودي موسى: يا موسى أقبل إلـيّ ولا تـخف من الذي تهرب منه { إنَّكَ مِنَ الآمِنِـينَ } من أن يضرّك، إنـما هو عصاك.

وقوله: { اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ } يقول: أدخـل يدك. وفـيه لغتان: سلكته، وأسلكته { فِـي جَيْبِكَ } يقول: فـي جيب قميصك. كما:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ }: أي فـي جيب قميصك.

وقد بـيَّنا فـيـما مضى السبب الذي من أجله أُمر أن يدخـل يده فـي الـجيب دون الكمّ.

وقوله: { تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ } يقول: تـخرج بـيضاء من غير برص. كما:

حدثنا بشر، قال: ثنا ابن الـمفضل، قال: ثنا قرة بن خالد، عن الـحسن، فـي قوله: { اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ } قال: فخرجت كأنها الـمصبـاح، فأيقن موسى أنه لقـي ربه.

وقوله: { وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ } يقول: واضمـم إلـيك يدك. كما:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عبـاس { وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ } قال: يدك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد { وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ } قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الـجناح. والكفّ: الـيد، { اضْمُـمْ يَدَكَ إلَـى جَنَاحِك تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ }.

وقوله: { مِنَ الرَّهْبِ } يقول: من الـخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الـحية. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله { مِنَ الرَّهْبِ } قال: الفَرَق.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ }: أي من الرعب.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { مِنَ الرَّهْبِ } قال: مـما دخـله من الفَرَق من الـحية والـخوف، وقال: ذلك الرهب، وقرأ قول الله { يَدْعُونَنا رَغَبـاً وَرَهَبـاً } قال: خوفـاً وطمعاً.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـحجاز والبصرة: «مِنَ الرَّهَب» بفتـح الراء والهاء. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: «مِنَ الرُّهْبِ» بضم الراء وتسكين الهاء، والقول فـي ذلك أنهما قراءتان متفقتا الـمعنى مشهورتان فـي قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

وقوله: { فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ } يقول تعالـى ذكره: فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تـحوّل العصا حية، ويدك وهي سمراء، بـيضاء تلـمع من غير برص، برهانان: يقول: آيتان وحجتان وأصل البرهان: البـيان، ويقال للرجل يقول القول إذا سئل الـحجة علـيه: هات برهانك علـى ما تقول: أي هات تبـيان ذلك ومصداقه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { فَذَانِكَ برهانانِ مِنْ رَبِّكَ } العصا والـيد آيتان.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله { فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ } تبـيانان من ربك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق { فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ } هذان برهانان.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبكَ } فقرأ: { هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } علـى ذلك آية نعرفها، وقال: برهانان آيتان من الله.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { فَذَانِكَ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار، سوى ابن كثـير وأبـي عمرو: { فَذَانِكَ } بتـخفـيف النون، لأنها نون الاثنـين، وقرأه ابن كثـير وأبو عمرو: «فَذَانِّكَ» بتشديد النون.

واختلف أهل العربـية فـي وجه تشديدها، فقال بعض نـحويّـي البصرة: ثقل النون من ثقلها للتوكيد، كما أدخـلوا اللام فـي ذلك. وقال بعض نـحويّـي الكوفة: شددت فرقا بـينها وبـين النون التـي تسقط للإضافة، لأن هاتان وهذان لا تضاف. وقال آخر منهم: هو من لغة من قال: هذا قال ذلك، فزاد علـى الألف ألفـا، كذا زاد علـى النون نونا لـيفصل بـينهما وبـين الأسماء الـمتـمكنة، وقال فـي ذانك إنـما كانت ذلك فـيـمن قال: هذان يا هذا، فكرهوا تثنـية الإضافة فأعقبوها بـاللام، لأن الإضافة تعقب باللام. وكان أبو عمرو يقول: التشديد فـي النون فـي { ذَانِكَ } من لغة قريش { إلـى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } يقول: إلـى فرعون وأشراف قومه، حجة علـيهم، ودلالة علـى حقـيقة نبوّتك يا موسى { إنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فـاسِقِـينَ } يقول: إن فرعون وملأه كانوا قوما كافرين.