يقول: وتواضع فـي مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر، ولا تستعجل، ولكن اتئد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل، غير أن منهم من قال: أمره بـالتواضع فـي مشيه، ومنهم من قال: أمره بترك السرعة فـيه. ذكر من قال: أمره بـالتواضع فـي مشيه:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن جابر، عن مـجاهد { وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ } قال: التواضع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ } قال: نهاه عن الـخيلاء. ذكر من قال: نهاه عن السرعة:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن عبد الله بن عقبة، عن يزيد بن أبـي حبـيب، فـي قوله: { وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ } قال: من السرعة.
قوله: { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ } يقول: واخفض من صوتك، فـاجعله قصداً إذا تكلـمت، كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ } قال: أمره بـالاقتصاد فـي صوته.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ } قال: أخفض من صوتك.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: { إنَّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ } فقال بعضهم: معناه: إن أقبح الأصوات. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة وأبـان بن تغلب، قالا: ثنا أبو معاوية عن جُوَيبر، عن الضحاك { إنَّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ } قال: إن أقبح الأصوات { لَصَوْتُ الـحَمِيرِ }.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { إنَّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ } أي أقبح الأصوات لصوت الـحمير، أوّله زفـير، وآخره شهيق أمره بـالاقتصاد فـي صوته.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفـيان، قال: سمعت الأعمش يقول: { إنَّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ } صوت الـحمير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن أشرّ الأصوات. ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن يحيى بن واضح، عن أبـي حمزة، عن جابر، عن عكرمة والـحكم بن عُتـيبة { إنَّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ } قال: أشرّ الأصوات.
قال جابر: وقال الـحسن بن مسلـم: أشدّ الأصوات.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { إنَّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ } قال: لو كان رفع الصوت هو خيراً ما جعله للـحمير.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معناه: إن أقبح أو أشرّ الأصوات، وذلك نظير قولهم، إذا رأوا وجهاً قبـيحاً، أو منظراً شنـيعاً: ما أنكر وجه فلان، وما أنكر منظره.
وأما قوله: { لَصَوْتُ الـحَمِيرِ } فأضيف الصوت وهو واحد إلـى الـحمير وهي جماعة، فإن ذلك لوجهين إن شئت، قلت: الصوت بـمعنى الـجمع، كما قـيـل
{ { لَذَهَبَ بسَمْعهمْ } وإن شئت قلت: معنى الـحمير: معنى الواحد، لأن الواحد فـي مثل هذا الـموضع يؤدّي عما يؤدّي عنه الـجمع.