خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ
٥١
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ
٥٢
إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
٥٣
-يس

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: { ونُفِخَ فِـي الصُّورِ }، وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين والصواب من القول فـيه بشواهده فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع، ويُعْنَى بهذه النفخة، نفخة البعث.

وقوله: { فإذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ } يعنـي من أجداثهم، وهي قبورهم، واحدها جَدَث، وفـيها لغتان، فأما أهل العالـية، فتقوله بـالثاء: جَدَث، وأما أهل السافلة فتقوله بـالفـاء جَدَف. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { مِنَ الأَجْدَاثِ إلـى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ } يقول: من القبور.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فإذَا هُمْ مِنَ الأجْداث }: أي من القبور.

وقوله: { إلـى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ } يقول: إلـى ربهم يخرجون سراعاً، والنَّسَلان: الإسراع فـي الـمشي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { يَنْسِلونَ } يقول: يخرجون.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { إلـى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ }: أي يخرجون.

وقوله: { قالُوا يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ } يقول تعالـى ذكره: قال هؤلاء الـمشركون لـما نُفخ فـي الصور نفخة البعث لـموقـف القـيامة فردّت أرواحهم إلـى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها: { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } وقد قـيـل: إن ذلك نومة بـين النفختـين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن خيثمة، عن الـحسن، عن أُبـيّ بن كعب، فـي قوله: { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } قال: ناموا نومة قبل البعث.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن رجل يقال له خيثمة فـي قوله: { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } قال: ينامون نومة قبل البعث.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قالُوا يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } هذا قول أهل الضلالة. والرَّقدة: ما بـين النفختـين.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا } قال: الكافرون يقولونه.

ويعنـي بقوله: { مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا } من أيقظنا من منامنا، وهو من قولهم: بعث فلان ناقته فـانبعثت، إذا أثارها فثارت. وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود: «مَنْ أهَبَّنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا». وفـي قوله: { هَذَا } وجهان: أحدهما: أن تكون إشارة إلـى «ما»، ويكون ذلك كلاماً مبتدأ بعد تناهي الـخبر الأوّل بقوله: { مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } فتكون «ما» حينئذٍ مرفوعة بهذا، ويكون معنى الكلام: هذا وعد الرحمن وصدق الـمرسلون. والوجه الآخر: أن تكون من صفة الـمرقد، وتكون خفضاً وردّاً علـى الـمرقد، وعند تـمام الـخبر عن الأوّل، فـيكون معنى الكلام: من بعثنا من مرقدنا هذا، ثم يبتدىء الكلام فـيقال: ما وعدَ الرحمن، بـمعنى: بعثكم وعد الرحمن، فتكون «ما» حينئذٍ رفعاً علـى هذا الـمعنى.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي الذي يقول حينئذٍ: هذا ما وعد الرحمن، فقال بعضهم: يقول ذلك أهل الإيـمان بـالله. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { هَذَا ما وَعَدَ الرَّحمَنُ } مـما سرّ الـمؤمنون يقولون هذا حين البعث.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: { هَذَا ما وَعَدَ الرَّحمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ } قال: قال أهل الهدى: هذا ما وعد الرحمن وصدق الـمرسلون.

وقال آخرون: بل كلا القولـين، أعنـي { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَق الـمُرْسَلُونَ } من قول الكفـار. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { يا وَيْـلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنا } ثم قال بعضهم لبعض: { هَذَا ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ } كانوا أخبرونا أنا نبعث بعد الـموت، ونُـحاسب ونُـجازَى.

والقول الأوّل أشبه بظاهر التنزيـل، وهو أن يكون من كلام الـمؤمنـين، لأن الكفـار فـي قـيـلهم: { مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } دلـيـل علـى أنهم كانوا بـمن بعثهم من مَرْقَدهم جُهَّالاً، ولذلك من جهلهم استثبتوا، ومـحال أن يكونوا استثبتوا ذلك إلاَّ من غيرهم، مـمن خالفت صفته صفتهم فـي ذلك.

وقوله: { إنْ كانَتْ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فإذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُـحْضَرُونَ } يقول تعالـى ذكره: إن كانت إعادتهم أحياء بعد مـماتهم إلا صيحة واحدة، وهي النفخة الثالثة فـي الصور { فإذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُـحْضَرُونَ } يقول: فإذا هم مـجتـمعون لدينا قد أُحضروا، فأُشهدوا مَوْقـفَ العرض والـحساب، لـم يتـخـلف عنه منهم أحد. وقد بـينا اختلاف الـمختلفـين فـي قراءتهم { إلاَّ صَيْحَةً } بـالنصب والرفع فـيـما مضى، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.