خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ
٢١
إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ
٢٢

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وهل أتاك يا مـحمد نبأ الـخصم وقـيـل: إنه عُنـي بـالـخصم فـي هذا الـموضع ملكان، وخرج فـي لفظ الواحد، لأنه مصدر مثل الزور والسفر، لا يثنى ولا يجمع ومنه قول لبـيد:

وَخَصْمٍ يَعُدُّونَ الذُّحُولَ كأنَّهُمْقُرُومٌ غَيَارَى كلُّ أزْهَرَ مُصْعَب

وقوله: { إذْ تَسَوَّرُوا الـمِـحْرَابَ } يقول: دخـلوا علـيه من غير بـاب الـمـحراب والـمـحراب مقدّم كل مـجلس وبـيت وأشرفه. وقوله: { إذْ دَخَـلُوا عَلـى دَاوُدَ } فكرّر إذ مرّتـين، وكان بعض أهل العربـية يقول فـي ذلك: قد يكون معناهما كالواحد، كقولك: ضربتك إذ دخـلت علـيّ إذ اجترأت، فـيكون الدخول هو الاجتراء، ويكون أن تـجعل إحداهما علـى مذهب لـما، فكأنه قال: إذ تسوّروا الـمـحراب لـما دخـلوا، قال: وإن شئت جعلت لـما فـي الأوّل، فإذا كان لـما أوّلا أو آخراً، فهي بعد صاحبتها، كما تقول: أعطيته لـما سألنـي، فـالسؤال قبل الإعطاء فـي تقدّمه وتأخره.

وقوله: { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } يقول القائل: وما كان وجه فزعه منهما وهما خصمان، فإنّ فزعه منهما كان لدخولهما علـيه من غير البـاب الذي كان الـمَدْخَـل علـيه، فراعه دخولهما كذلك علـيه. وقـيـل: إن فزعه كان منهما، لأنهما دخلا علـيه لـيلاً فـي غير وقت نظره بـين الناس قالوا: { لا تَـخَفْ } يقول تعالـى ذكره: قال له الـخصم: لا تـخف يا داود، وذلك لـمَّا رأياه قد ارتاع من دخولهما علـيه من غير البـاب. وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بدلالة ما ظهر من الكلام منه، وهو مرافع خصمان، وذلك نـحن. وإنـما جاز ترك إظهار ذلك مع حاجة الـخصمين إلـى الـمرافع، لأن قوله { خَصْمانِ } فعل للـمتكلـم، والعرب تضمر للـمتكلـم والـمكلَّـم والـمخاطب ما يرفع أفعالهما، ولا يكادون أن يفعلوا ذلك بغيرهما، فـيقولون للرجل يخاطبونه: أمنطلق يا فلان ويقول الـمتكلـم لصاحبه: أحسن إلـيك وتـجمل، وإنـما يفعلون ذلك كذلك فـي الـمتكلـم والـمكلَّـم، لأنهما حاضران يعرف السامع مراد الـمتكلـم إذا حُذف الاسم، وأكثر ما يجِيـيء ذلك فـي الاستفهام، وإن كان جائزاً فـي غير الاستفهام، فـيقال: أجالس راكب؟ فمن ذلك قوله خَصْمان ومنه قول الشاعر:

وَقُولا إذَا جاوَزْتُـمَا أرْضَ عامِرٍوَجاوَزْتُـمَا الـحَيَّـيْنَ نَهْداً وخَثْعَما
نَزيعانِ مِنْ جَرْمِ بْنِ رَبَّـانِ إنهمْأَبَوْا أن يُـميرُوا فـي الهَزَاهِزِ مِـحْجَما

وقول الآخر:

تَقُولُ ابْنَةُ الكَعْبِـيّ يوْمَ لَقِـيتُهاأمُنْطَلِقٌ فـي الـجَيْشِ أمْ مُتَثاقِلُ

ومنه قولهم: «مُـحْسِنة فهيـلـي». وقول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: "آئِبُونَ تائِبُونَ" . وقوله: "جاءَ يَوْمَ القِـيامَةِ مَكْتُوبٌ بـينَ عَيْنَـيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ" كلّ ذلك بضميرٍ رَفَعه. وقوله عزّ وجلّ { بَغَى بَعْضُنا علـى بَعْضٍ } يقول: تعدّى أحدنا علـى صاحبه بغير حقّ { فـاحْكُمْ بَـيْنَنا بـالـحَقّ } يقول: فـاقضِ بـيننا بـالعدّل { وَلا تُشْطِطْ }: يقول: ولا تَـجُر، ولا تُسْرِف فـي حكمك، بـالـميـل منك مع أحدنا علـى صاحبه. وفـيه لغتان: أشَطَّ، وشَطَّ. ومن الإشطاط قول الأحوص:

ألا يا لَقَوْمٍ قَدْ أشَطَّتْ عَوَاذِلـيوَيَزْعُمْنَ أنْ أَوْدَي بحَقِّـيَ بـاطِلِـي

ومسموع من بعضهم: شَطَطْتَ علـيّ فـي السَّوْم. فأما فـي البعد فإن أكثر كلامهم: شَطَّت الدار، فهي تَشِطّ، كما قال الشاعر:

تَشِطُّ غَداً دَارُ جِيرَانِناوللدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أبْعَدُ

وقوله: { وَاهْدِنا إلـى سَوَاءِ الصِّراطِ } يقول: وأرشدنا إلـى قَصْد الطريق الـمستقـيـم. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: { وَلا تُشْطِطْ } قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَلا تُشْطِطْ }: أي لا تـمل.

حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { وَلا تُشْطِطْ } يقول: لا تُـحِف.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَلا تُشْطِطْ } تـخالف عن الـحقّ.

وكالذي قلنا أيضاً فـي قوله: { وَاهْدِنا إلـى سَوَاءِ الصِّراطِ } قالوا: ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَاهْدِنا إلـى سَوَاء الصِّراطِ } إلـى عدله وخيره.

حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { وَاهْدنا إلـى سَوَاءِ الصِّراطِ } إلـى عدل القضاء.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَاهْدِنا إلـى سَوَاء الصِّراطِ } قال: إلـى الـحقّ الذي هو الـحقّ: الطريق الـمستقـيـم { وَلا تُشْطِطْ } تذهب إلـى غيرها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه: { وَاهْدِنا إلـى سَوَاء الصِّراطِ }: أي احملنا علـى الـحقّ، ولا تـخالف بنا إلـى غيره.