خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ
٣٦
وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ
٣٧
-الزمر

جامع البيان في تفسير القرآن

اختلفت القرّاء في قراءة: { ألَيْسَ اللَّهُ بكافٍ عَبْدَهُ } فقرأ ذلك بعض قراء المدينة وعامة قرّاء أهل الكوفة: «ألَيْسَ اللَّهُ بكافٍ عِبادَهُ» على الجماع، بمعنى: أليس الله بكاف محمداً وأنبياءه من قبله ما خوفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة: { بكافٍ عَبْدَهُ } على التوحيد، بمعنى: أليس الله بكاف عبده محمداً.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأةِ الأمصار. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب لصحة مَعْنَيَيْهَما واستفاضة القراءة بهما في قَرَأةِ الأمصار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدّيّ { ألَيْسَ اللَّهُ بكافٍ عِبدَهُ } يقول: محمد صلى الله عليه وسلم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبدَهُ } قال: بلى، والله ليكفينه الله ويعزّه وينصره كما وعده.

وقوله: { ويُخَوّفُونَكَ بالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ويخوّفك هؤلاء المشركون يا محمد بالذين من دون الله من الأوثان والآلهة أن تصيبك بسوء، ببراءتك منها، وعيبك لها، والله كافيك ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { ويُخَوِّفُونَكَ بالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } الآلهة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى شعب بسُقام ليكسر العزَّى، فقال سادِنُها، وهو قيِّمها: يا خالد أنا أحذّركها، إن لها شدّة لا يقوم إليها شيء، فمشى إليها خالد بالفأس فهشّم أنفها.

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { ويُخَوفُونَكَ بالَّذِينَ مِنَ دُونِهِ } يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { ويُخَوّفُونَكَ بالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } قال: يخوّفونك بآلهتهم التي من دونه.

وقوله: { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هاد } يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله فيضلَّه عن طريق الحق وسبيل الرشد، فما له سواه من مرشد ومسدّد إلى طريق الحقّ، وموفِّق للإيمان بالله، وتصديق رسوله، والعمل بطاعته { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ } يقول: ومن يوفِّقه الله للإيمان به، والعمل بكتابه، فما له من مضلّ، يقول: فما له من مزيغ يزيغه عن الحقّ الذي هو عليه إلى الارتداد إلى الكفر { ألَيسَ اللَّهُ بعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ } يقول جل ثناؤه: أليس الله يا محمد بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه، ذي انتقام من أعدائه الجاحدين وحدانيته.