خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٩٥
-المائدة

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله { لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ } الذي بـينت لكم، وهو صيد البرّ دون صيد البحر { وأنْتُـمْ حُرُمٌ } يقول: وأنتـم مـحرمون بحجّ أو عمرة والـحُرُم: جمع حرام، والذكر والأنثى فـيه بلفظ واحد، تقول: هذا رجل حَرَام وهذه امرأة حَرَام، فإذا قـيـل مُـحْرم، قـيـل للـمرأة مـحرمة. والإحرام: هو الدخول فـيه، يقال: أحرم القوم: إذا دخـلوا فـي الشهر الـحرام، أو فـي الـحرم. فتأويـل الكلام: لا تقتلوا الصيد وأنتـم مـحرمون بحجّ أو عمرة. وقوله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } فإن هذا إعلام من الله تعالـى ذكره عبـاده حكم القاتل من الـمـحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمداً.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة العمد الذي أوجب الله علـى صاحبه به الكفـارة والـجزاء فـي قتله الصيد. فقال بعضهم: هو العمد لقتل الصيد مع نسيان قاتله إحرامه فـي حال قتله، وقال: إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمداً قتله فلا حكم علـيه وأمره إلـى الله. قالوا: وهذا أجلّ أمراً من أن يحكم علـيه أو يكون له كفَّـارة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: ثنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } من قتله منكم ناسياً لإحرامه متعمداً لقتله، فذلك الذي يُحكم علـيه. فإن قتله ذاكراً لـحُرْمه متعمداً لقتله، لـم يحكم علـيه.

حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد فـي الذي يقتل الصيد متعمداً، وهو يعلـم أنه مـحرم ومتعمد قتله، قال: لا يحكم علـيه، ولا حجّ له. وقوله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قال: هو العمد الـمكفر، وفـيه الكفـارة والـخطأ أن يصيبه، وهو ناس إحرامه، متعمدا لقتله، أو يصيبه وهو يريد غيره، فذلك يحكم علـيه مرّة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { لا تَقْتُلُوا الصَّيْدُ وأنْتُـمْ حُرُمٌ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غير ناس لـحرمه ولا مريد غيره، فقد حلّ ولـيست له رخصة. ومن قتله ناسياً أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفر.

حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيـم، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قال: متعمداً لقتله، ناسياً لإحرامه.

حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: ثنا الفضيـل بن عياض، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: العمد هو الـخطأ الـمكفَّر.

حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: ثنا يونس بن مـحمد، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا لـيث قال: قال مـجاهد: قول الله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قال: فـالعمد الذي ذكر الله تعالـى أن يصيب الصيد وهو يريد غيره فـيصيبه، فهذا العمد الـمكفَّر فأما الذي يصيبه غيرَ ناس ولا مريد لغيره، فهذا لا يحكم علـيه، [هذا أجَلُّ من أن يحكم علـيه].

حدثنا ابن وكيع، ومـحمد بن الـمثنى، قالا: ثنا مـحمد بن جعفر، عن شعبة، عن الهيثم، عن الـحكم، عن مـجاهد، أنه قال فـي هذه الآية: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قال: يقتله متعمداً لقتله، ناسياً لإحرامه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، قال: ثنا شعبة، عن الهيثم، عن الـحكم، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: قال ابن جريج: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غير ناس لـحُرمه ولا مريد غيره، فقد حلّ ولـيست له رخصة. ومن قتله ناسياً لـحرمه أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفَّر.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الـحسن: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } للصيد ناسياً لإحرامه، { فمن اعْتَدَى بَعْدَ ذلك } متعمداً للصيد يذكر إحرامه.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا مـحمد بن أبـي عديّ، قال: ثنا إسماعيـل بن مسلـم، قال: كان الـحسن يفتـي فـيـمن قتل الصيد متعمداً ذاكراً لإحرامه: لـم يحكم علـيه. قال إسماعيـل، وقال حماد عن إبراهيـم، مثل ذلك.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عفـان بن مسلـم، قال: ثنا حماد بن سلـمة، قال: أمرنـي جعفر بن أبـي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الآية: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَرَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ... } الآية، فسألته، فقال: كان عطاء يقول: هو بـالـخيار أيّ ذلك شاء فعل، إن شاء أهدى وإن شاء أطعم وإن شاء صام. فأخبرت به جعفراً، وقلت: ما سمعتَ فـيه؟ فتلكأ ساعة ثم جعل يضحك، ولا يخبرنـي، ثم قال: كان سعيد بن جبـير يقول: يحكم علـيه من النعم هدياً بـالغ الكعبة، فإن لـم يجد يحكم علـيه ثمنه، فقوّم طعاماً فتصدّق به، فإن لـم يجد علـيه حكم الصيام فـيه من ثلاثة أيام إلـى عشرة.

حدثنا ابن البرقـي، قال: ثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال أخبرنـي ابن جريج، قال: قال مـجاهد: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غير ناس لـحُرمه ولا مريد غيره فقد حلّ ولـيست له رخصة، ومن قتله ناسياً أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفَّر.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أما الذي يتعمد فـيه الصيد وهو ناس لـحرمه أو جاهل أن قتله غير مـحرّم، فهؤلاء الذين يحكم علـيهم. فأما من قتله متعمداً بعد نهي الله وهو يعرف أنه مـحروم وأنه حرام، فذلك يوكل إلـى نقمة الله، وذلك الذي جعل الله علـيه النقمة.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله:{ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قال: متعمدًا لقتله، ناسياً لإحرامه.

وقال آخرون: بل ذلك هو العمد من الـمـحرم لقتل الصيد ذاكراً لـحُرمه. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: يحكم علـيه فـي العمد والـخطإ والنسيان.

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: ثنا ابن جريج، وحدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: قال طاوس: والله ما قال الله إلاَّ: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا }.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنـي بعض أصحابنا عن الزهري أنه قال: نزل القرآن بـالعمد، وجرت السنة فـي الـخطإ. يعنـي فـي الـمـحرم يصيب الصيد.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ } قال: إن قتله متعمداً أو ناسياً حكم علـيه، وإن عاد متعمداً عجلت له العقوبة، إلاَّ أن يعفو الله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبـير، قال: إنـما جعلت الكفَّـارة فـي العمد، ولكن غلِّظ علـيهم فـي الـخطأ كي يتقوا.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا أبو معاوية ووكيع، قالا: ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبـير، نـحوه.

حدثنا ابن البرقـي، قال: ثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: كان طاوس يقول: والله ما قال الله إلاَّ: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا }.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن يقال: إن الله تعالـى حرّم قتل صيد البرّ علـى كل مـحرم فـي حال إحرامه ما دام حراماً، بقوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ } ثم بـين حكم من قتل ما قتل من ذلك فـي حال إحرامه متعمداً لقتله، ولـم يخصص به الـمتعمد قتله فـي حال نسيانه إحرامه، ولا الـمخطىء فـي قتله فـي حال ذكره إحرامه، بل عمّ فـي التنزيـل بإيجاب الجزاء كلّ قاتل صيد فـي حال إحرامه متعمداً. وغير جائز إحالة ظاهر التنزيـل إلـى بـاطن من التأويـل لا دلالة علـيه من نصّ كتاب ولا خبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع من الأمة ولا دلالة من بعض هذه الوجوه. فإذ كان ذلك كذلك، فسواء كان قاتل الصيد من الـمـحرمين عامداً قتله ذاكراً لإحرامه، أو عامداً قتله ناسياً لإحرامه، أو قاصداً غيره فقتله ذاكراً لإحرامه، فـي أنَّ علـى جميعهم من الـجزاء ما قال ربنا تعالـى وهو: { مثل ما قتل من النَّعَم يحكم بِهِ ذوا عدل } من الـمسلـمين { أو كفَّـارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً } وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهما، دون القول الذي قاله مـجاهد.

وأما ما يـلزم بـالـخطأ قاتله، فقد بـينا القول فـيه فـي كتابنا «كتاب لطيف القول فـي أحكام الشرائع» بـما أغنى عن ذكره فـي هذا الـموضع. ولـيس هذا الـموضع موضع ذكره، لأن قصدنا فـي هذا الكتاب الإبـانة عن تأويـل التنزيـل، ولـيس فـي التنزيـل للـخطإ ذكر فنذكر أحكامه.

وأما قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } فإنه يقول: وعلـيه كفـارة وبدل، يعنـي بذلك: جزاء الصيد الـمقتول يقول تعالـى ذكره: فعلـى قاتل الصيد جزاء الصيد الـمقتول مثل ما قتل من النعم. وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: { فَجَزَاؤُهُ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }.

وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة وبعض البصريـين: "فَجَزَاءُ مِثْلِ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَم" بإضافة الـجزاء إلـى الـمثل وخفض الـمثل. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ } بتنوين «الـجزاء» ورفع «الـمثل» بتأويـل: فعلـيه جزاء مثل ما قتل.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ } بتنوين «الـجزاء» ورفع «الـمثل»، لأن الـجزاء هو الـمثل، فلا وجه لإضافة الشيء إلـى نفسه. وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بـالإضافة، رأوا أن الواجب علـى قاتل الصيد أن يجزى مثله من الصيد بـمثل من النعم ولـيس كذلك كالذي ذهبوا إلـيه، بل الواجب علـى قاتله أن يجزى الـمقتول نظيره من النعم. وإذ كان ذلك كذلك، فـالـمثل هو الـجزاء الذي أوجبه الله تعالـى علـى قاتل الصيد، ولن يضاف الشيء إلـى نفسه، ولذلك لـم يقرأ ذلك قارىء علـمناه بـالتنوين ونصب الـمثل. ولو كان الـمثل غير الـجزاء لـجاز فـي الـمثل النصب إذا نون الـجزاء، كما نصب الـيتـيـم إذ كان غير الإطعام فـي قوله: { { أوْ إطْعامٌ فِـي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِـيـماً ذَا مَقْرَبَةٍ } وكما نصب الأموات والأحياء ونون الكفـات فـي قوله: { ألَـمْ نَـجْعَلِ الأرْضَ كِفـاتاً أحْياءً وأمْوَاتاً } إذ كان الكفـات غير الأحياء والأموات. وكذلك الـجزاء، لو كان غير الـمثل لاتسعت القراءة فـي الـمثل بـالنصب إذا نوّن الـجزاء، ولكن ذلك ضاق فلـم يقرأه أحد بتنوين الـجزاء ونصب الـمثل، إذ كان الـمثل هو الـجزاء، وكان معنى الكلام: ومن قتله منكم متعمداً، فعلـيه جزاء هو مثل ما قتل من النعم.

ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة الـجزاء، وكيف يجزى قاتل الصيد من الـمـحرمين ما قتل بـمثله من النعم. فقال بعضهم: ينظر إلـى أشبه الأشياء به شبهاً من النعم، فـيجزيه به ويُهديه إلـى الكعبة. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قال: أما جزاء مثل ما قتل من النعم، فإن قتل نعامة أو حماراً فعلـيه بدنة، وإن قتل بقرة أو أيِّلاً أو أَرْوَى فعلـيه بقرة، أو قتل غزالاً أو أرنبـاً فعلـيه شاة. وإن قتل ضبًّـا أو حربـاء أو يربوعاً، فعلـيه سخـلة قد أكلت العشب وشربت اللبن.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن الـمغيرة، عن أبـي مـجاهد، قال: سئل عطاء: أيغرم فـي صغير الصيد كما يغرم فـي كبـيره؟ قال: ألـيس يقول الله تعالـى: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }؟

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال مـجاهد: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَم }ِ قال: علـيه من النعم مثله.

حدثنا هناد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد وجب علـيه جزاؤه من النعم، فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدّق به، فإن لـم يجد جزاءه قوّم الـجزاء دراهم ثم قوّم الدراهم حنطة ثم صام مكان كلّ نصف صاع يوماً. قال: وإنـما أريد بـالطعام الصوم، فإذا وجد طعاماً وجد جزاء.

حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بـالِغَ الكَعْبَةِ أوْ كَفَّـارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد حكم علـيه جزاؤه من النعم، فإن لـم يجد نظركم ثمنه قال ابن حميد: نظركم قـيـمته فقوّم علـيه ثمنه طعاماً، فصام مكان كل نصف صاع يوماً، أو كفَّـارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياماً. قال: إنـما أريد بـالطعام: الصيام، فإذا وجد الطعام وجد جزاءه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } فإن لـم يجد هدياً، قوّم الهدى علـيه طعاماً وصام عن كلّ صاع يومين.

حدثنا هناد. قال: عبد بن حميد، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس فـي هذه الآية: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بـالِغَ الكَعْبَةِ } قال: إذا أصاب الرجل الصيد حكم علـيه، فإن لـم يكن عنده قوّم علـيه ثمنه طعام ثم صام لكل نصف صاع يوماً.

حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الـملك بن عمير، عن قبـيصة بن جابر، قال: ابتدرت وصاحب لـي ظبـياً فـي العقبة، فأصبته. فأتـيت عمر بن الـخطاب فذكرت ذلك له، فأقبل علـيّ رجل إلـى جنبه، فنظرا فـي ذلك، فقال: اذبح كبشاً.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن الشعبـي، قال: أخبرنـي قبـيصة بن جابر نـحواً مـما حدّث به عبد الـملك.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن الـمسعودي، عن عبد الـملك بن عمير، عن قبـيصة بن جابر، قال: قتل صاحب لـي ظبـياً وهو مـحرم، فأمره عمر أن يذبح شاة، فـيتصدّق بلـحمها ويُسْقِـي إهابها.

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، عن داود بن أبـي هند، عن بكر بن عبد الله الـمزنـي، قال: قتل رجل من الأعراب وهو مـحرم ظبـياً، فسأل عمر، فقال له عمر: أهد شاة.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، وحدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: ثنا ابن فضيـل، قال: ثنا حصين، عن الشعبـيّ، قال: قال قبـيصة بن جابر: أصبت ظبـياً وأنا مـحرم، فأتـيت عمر فسألته عن ذلك، فأرسل إلـى عبد الرحمن بن عوف، فقلت: يا أمير الـمؤمنـين إن أمره أهون من ذلك قال: فضربنـي بـالدرّة حتـى سابقته عدواً. قال: ثم قال: قتلت الصيد وأنت مـحرم ثم تُغمص الفتـيا؟ قال: فجاء عبد الرحمن، فحكما شاة.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قال: إذا قتل الـمـحرم شيئاً من الصيد حكم علـيه، فإن قتل ظبـياً أو نـحوه فعلـيه شاة تذبح بـمكة، فإن لـم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل أيِّلاً أو نـحوه فعلـيه بقرة وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نـحوه فعلـيه بدنة من الإبل.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أرأيت إن قتلت صيداً فإذا هو أعور أو أعرج أو منقوص أغرم مثله؟ قال: نعم، إن شئت. قلت: أُوفـي أحبّ إلـيك؟ قال: نعم. وقال عطاء: وإن قتلت ولد الظبـي ففـيه ولد شاة، وإن قتلت ولد بقرة وحشية ففـيه ولد بقرة إنسية مثله، فكل ذلك علـى ذلك.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان البـاهلـي، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }: ما كان من صيد البرّ مـما لـيس له قرن الـحمار والنعامة فعلـيه مثله من الإبل، وما كان ذا قرن من صيد البرّ من وعل أو أيـل فجزاؤه من البقر، وما كان من ظبـي فمن الغنـم مثله، وما كان من أرنب ففـيها ثنـية، وما كان من يربوع وشبهه ففـيه حمل صغير، وما كان من جرادة أو نـحوها ففـيه قبضة من طعام، وما كان من طير البرّ ففـيه أن يقوّم ويتصدّق بثمنه، وإن شاء صام لكلّ نصف صاع يوماً. وإن أصاب فرخ طير برية أو بـيضها فـالقـيـمة فـيها طعام أو صوم علـى الذي يكون فـي الطير. غير أنه قد ذكر فـي بـيض النعام إذا إصابها الـمـحرم أن يحمل الفحل علـى عدّة من أصاب من البـيض علـى بِكارة الإبل، فما لقح منها أهداه إلـى البـيت، وما فسد منها فلا شيء فـيه.

حدثنا ابن البرقـي، قال: ثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع، قال: أخبرنـي ابن جريج، قال: قال مـجاهد: من قتله يعنـي الصيد ناسياً، أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفَّر، فعلـيه مثله هدياً بـالغ الكعبة، فإن لـم يجد ابتاع بثمنه طعاماً، فإن لـم يجد صام عن كلّ مدّ يوماً. وقال عطاء: فإن أصاب إنسان نعامة، كان له إن كان ذا يسار ما شاء، إن شاء يهدي جزوراً أو عَدلها طعاماً أو عدلها صياماً، أيهنّ شاء من أجل قوله: { فَجَزَاءٌ } أو كذا قال: فكلّ شيء فـي القرآن أو أو، فلـيختر منه صاحبه ما شاء.

حدثنا ابن البرقـي، قال: ثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع، قال: أخبرنـي ابن جريج، قال: أخبرنـي الـحسن بن مسلـم، قال: من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون شاة فصاعداً، فذلك الذي قال الله تعالـى: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مَنَ النَّعَمِ }. وأما كفَّـارَة طَعَام مَسَاكِين فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فـيه هدي، العصفور يقتل فلا يكون فـيه. قال: أو عدل ذلك صياماً، عدل النعامة، أو عدل العصفور، أو عدل ذلك كله.

وقال آخرون: بل يقوَّم الصيد الـمقتول قـيـمته من الدراهم، ثم يشتري القاتل بقـيـمته نِدًّا من النعم، ثم يهديه إلـى الكعبة. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبدة، عن إبراهيـم، قال: ما أصاب الـمـحرم من شيء حكم فـيه قـيـمته.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، قال: سمعت إبراهيـم يقول: فـي كلّ شيء من الصيد ثمنه.

وأولـى القولـين فـي تأويـل الآية، ما قال عمر وابن عبـاس ومن قال بقولهما: إن الـمقتول من الصيد يجزى بـمثله من النعم، كما قال الله تعالـى: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } وغير جائز أن يكون مثل الذي قتل من الصيد دراهم وقد قال الله تعالـى: { مِنَ النَّعَمِ } لأن الدراهم لـيست من النعم فـي شيء.

فإن قال قائل: فإن الدراهم وإن لـم تكن مثلاً للـمقتول من الصيد، فإنه يشتري بها الـمثل من النعم، فـيهديه القاتل، فـيكون بفعله ذلك كذلك جازياً بـما قتل من الصيد مثلاً من النعم؟ قـيـل له: أفرأيت إن كان الـمقتول من الصيد صغيراً أو كبـيراً أو سلـيـماً، أو كان الـمقتول من الصيد كبـيراً أو سلـيـماً بقـيـمته من النعم إلاَّ صغيراً أو معيبـاً، أيجوز له أن يشتري بقـيـمته خلافه وخلاف صفته فـيهديه، أم لا يجوز ذلك له، وهو لا يجد إلاَّ خلافه؟ فإن زعم أنه لا يجوز له أن يشتري بقـيـمته إلاَّ مثله، تُرك قوله فـي ذلك لأن أهل هذه الـمقالة يزعمون أنه لا يجوز له أن يشتري بقـيـمته ذلك فـيهديه إلاَّ ما يجوز فـي الضحايا، وإذا أجازوا شِرَى مثل الـمقتول من الصيد بقـيـمته وإهداءها وقد يكون الـمقتول صغيراً معيبـاً، أجازوا فـي الهدي ما لا يجوز فـي الأضاحي، وإن زعم أنه لا يجوز أن يشتري بقـيـمته فـيهديه إلاَّ ما يجوز فـي الضحايا أوضح بذلك من قوله الـخلافَ لظاهر التنزيـل وذلك أن الله تعالـى أوجب علـى قاتل الصيد من الـمـحرمين عمداً الـمثل من النعم إذا وجدوه وقد زعم قائل هذه الـمقالة أنه لا يجب علـيه الـمثل من النعم وهو إلـى ذلك واجد سبـيلاً.

ويقال لقائل: ذلك: أرأيت إن قال قائل آخر: ما علـى قاتل ما لا يبلغ من الصيد قـيـمته ما يصاب به من النعم ما يجوز فـي الأضاحي من إطعام ولا صيام، لأن الله تعالـى إنـما خير قاتل الصيد من الـمـحرمين فـي أحد الثلاثة الأشياء التـي سماها فـي كتابه، فإذا لـم يكن له إلـى واحد من ذلك سبـيـل سقط عنه فرض الآخرين، لأن الـخيار إنـما كان له وله إلـى الثلاثة سبـيـل فإذا لـم يكون له إلـى بعض ذلك سبـيـل بطل فرض الـجزاء عنه، لأنه لـيس مـمن عُنـي بـالآية نظير الذي قلت أنت إنه إذا لـم يكن الـمقتول من الصيد يبلغ قـيـمته ما يصاب من النعم مـما يجوز فـي الضحايا، فقد سقط فرض الـجزاء بـالـمثل من النعم عنه، وإنـما علـيه الـجزاء بـالإطعام أو الصيام هل بـينك وبـينه فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول فـي أحدهما قولاً إلاَّ ألزم فـي الآخر مثله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ }.

يقول تعالـى ذكره: يحكم بذلك الـجزاء الذي هو مثل الـمقتول من الصيد من النعم عدلان منكم، يعنـي: فقـيهان عالـمان من أهل الدين والفضل. { هَدْياً } يقول: يقضي بـالـجزاء ذوا عدل أن يُهدي فـيبلغ الكعبة. والهاء فـي قوله «يحكم به» عائدة علـى الـجزاء، ووجه حكم العدلـين إذا أرادا أن يحكما بـمثل الـمقتول من الصيد من النعم علـى القاتل أن ينظرا إلـى الـمقتول ويستوصفـاه، فإن ذكر أنه أصاب ظبـياً صغيراً حكما علـيه من ولد الضأن بنظير ذلك الذي قتله فـي السنّ والـجسم، فإن كان الذي أصاب من ذلك كبـيراً حكما علـيه من الضأن بكبـير، وإن كان الذي أصاب حمار وحش حكما علـيه ببقرة إن كان الذي أصاب كبـيراً من البقر، وإن كان صغيراً فصغيراً، وإن كان الـمقتول ذكراً فمثله من ذكور البقر، وإن كان أنثى فمثله من البقر أنثى، ثم كذلك ينظران إلـى أشبه الأشياء بـالـمقتول من الصيد شبهاً من النعم فـيحكمان علـيه به كما قال تعالـى.

وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل علـى اختلاف فـي ذلك بـينهم. ذكر من قال ذلك بنـحو الذي قلنا فـيه:

حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن بكر بن عبد الله الـمزنـي، قال: كان رجلان من الأعراب مـحرمَين، فأجاش أحدهما ظبـياً فقتله الآخر، فأتـيا عمر وعنده عبد الرحمن بن عوف، فقال له عمر: وما ترى؟ قال: شاة. قال: وأنا أرى ذلك، اذهبـا فأهديا شاة فلـما مضيا، قال أحدهما لصاحبه: ما درى أمير الـمؤمنـين ما يقول حتـى سأل صاحبه. فسمعها عمر، فردّهما فقال: هل تقرآن سورة الـمائدة؟ فقالا: لا. فقرأها علـيهما: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكمْ }. ثم قال: استعنت بصاحبـي هذا.

حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الـملك بن عمَير، عن قبـيصة بن جابر، قال: ابتدرت أنا وصاحب لـي ظبـياً فـي العقبة، فأصبته. فأتـيت عمر بن الـخطاب، فذكرت ذلك له، فأقبل علـى رجل إلـى جنبه، فنظرا فـي ذلك. قال: فقال: اذبح كبشاً قال يعقوب فـي حديثه: فقال لـي اذبح شاة. فـانصرفت فأتـيت صاحبـي، فقلت: إن أمير الـمؤمنـين لـم يدر ما يقول فقال صاحبـي: انـحر ناقتك فسمعها عمر بن الـخطاب، فأقبل علـيّ ضربـاً بـالدرّة، وقال: تقتل الصيد وأنت مـحرم وتَغْمِصُ الفتـيا إن الله تعالـى يقول فـي كتابه: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } هذا ابن عوف وأنا عمر.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن الشعبـي، قال: أخبرنـي قبـيصة بن جابر، بنـحو ما حدّث به عبد الـملك.

حدثنا هناد وأبو هشام، قالا: ثنا وكيع، عن الـمسعودي، عن عبد الـملك بن عمير، عن قبـيصة بن جابر، قال: خرجنا (حجاجاً) فكنا إذا صلـينا الغداة، اقتدرنا رواحلنا نتـماشى نتـحدّث. قال: فبـينـما نـحن ذات غداة إذ سنـح لنا ظبـيٌ أو برَح، فرماه رجل منا بحجر، فما أخطأ خُشَشاءه، فركب وودعه ميتاً. قال: فعظُمنا علـيه فلـما قدمنا مكة، خرجت معه حتـى أتـينا عمر، فقصّ علـيه القصة، قال: وإذا إلـى جنبه رجل كأن وجهه قُلْبُ فضة يعنـي عبد الرحمن بن عوف فـالتفت إلـى صاحبه فكلـمه قال: ثم أقبل علـيَّ الرجل، قال: أعمداً قتلته أم خطأ؟ قال الرجل: لقد تعمدت رميه، وما أردت قتله. فقال عمر: ما أراك إلاَّ قد أشركت بـين العمد والـخطأ، اعمد إلـى شاة فـاذبحها، وتصدّق بلـحمها، وأسق إهابها قال: فقمنا من عنده، فقلت: أيها الرجل عظم شعائر الله فما درى أمير الـمؤمنـين ما يفتـيك حتـى سأل صاحبه، اعمد إلـى ناقتك فـانـحرها ففعل ذاك. قال قبـيصة: ولا أذكر الآية من سورة الـمائدة: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ }. قال: فبلغ عمر مقالتـي، فلـم يفجأنا إلاَّ ومعه الدرّة، قال: فعلا صاحبـي ضربـاً بـالدرّة، وجعل يقول: أقتلت فـي الـحرم وسفَّهت الـحكم قال: ثم أقبل علـيّ فقلت: يا أمير الـمؤمنـين، لا أحلّ لك الـيوم شيئاً يحرم علـيك منـي. قال: يا قبـيصة بن جابر، إنـي أراك شاب السنّ فسيح الصدر بَـيِّن اللسان، وإن الشاب يكون فـيه تسعة أخلاق حسنة وخـلق سيّء، فـيفسد الـخـلق السيء الأخلاق الـحسنة، فإياك وعثرات الشبـاب

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيـينة، عن مخارق، عن طارق، قال: أوطأ أربد ضبًّـا فقتله وهو مـحرم، فأتـى عمر لـيحكم علـيه، فقال له عمر: احكم معي فحكما فـيه جدياً قد جمع الـماء والشجر، ثم قال عمر: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا جامع بن حماد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلاً أصاب صيداً، فأتـى ابن عمر فسأله عن ذلك وعنده عبد الله بن صفوان، فقال ابن عمر لابن صفوان: إما أن أقول فتصدّقنـي، وإما أن تقول فأصدّقك فقال ابن صفوان: بل أنت فقل فقال ابن عمر، ووافقه علـى ذلك عبد الله بن صفوان.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن شريح، أنه قال: لو وجدت حكماً عدلاً لـحكمت فـي الثعلب جدياً، وجديٌ أحبّ إلـيّ من الثعلب.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن بكير، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبـي مـجلز: أن رجلاً سأل ابن عمر عن رجل أصاب صيداً وهو مـحرم، وعنده ابن صفوان، فقال له ابن عمر: إما أن تقول فأصدّقك، أو أقول فتصدّقنـي قال: قل وأصدّقك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن أبـي وائل، قال: أخبرنـي ابن جرير البجلـي، قال: أصبت ظبـياً وأنا مـحرم، فذكرت ذلك لعمر، فقال: ائت رجلـين من إخوانك فلـيحكما علـيك فأتـيت عبد الرحمن وسعيداً، فحكما علـيّ تـيساً أعفر. قال أبو جعفر: الأعفر: الأبـيض.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور بإسناده عن عمر، مثله.

حدثنا عبد الـحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، قال: كان رجل علـى ناقة وهو مـحرم، فأبصر ظبـياً يأوي إلـى أكمة، فقال: لأنظرْ أنا أسبق إلـى هذه الأكمة أم هذا الظبـي؟ فوقعت عنز من الظبـاء تـحت قوائم ناقته فقتلتها. فأتـى عمر، فذكر ذلك له، فحكم علـيه هو وابن عوف عنزاً عفراء. قال: وهي البـيضاء.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: أخبرنا أيوب، عن مـحمد: أن رجلاً أوطأ ظبـياً وهو مـحرم. فأتـى عمر فذكر ذلك له وإلـى جنبه عبد الرحمن بن عوف، فأقبل علـى عبد الرحمن فكلـمه، ثم أقبل علـى الرجل، فقال: أهد عنزاً عفراء

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم أنه كان يقول: ما أصاب الـمـحرم من شيء لـم يـمض فـيه حكومة، استقبل به، فـيحكم فـيه ذوا عدل.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن يعلـي، عن عمرو بن حبشي قال: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عمر عن رجل أصاب ولد أرنب فقال: فـيه ولد ماعز فـيـما أرى أنا. ثم قال لـي: أكذاك؟ فقلت: أنت أعلـم منـي. فقال: قال الله تعالـى: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ }.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، وسهل بن يوسف، عن حميد، عن بكر: أن رجلـين أبصرا ظبـياً وهما مـحرمان، فتراهنا، وجعل كل واحد منهما لـمن سبق إلـيه. فسبق إلـيه أحدهما، فرماه بعصاه فقتله. فلـما قدما مكة، أتـيا عمر يختصمان إلـيه وعنده عبد الرحمن بن عوف. فذكرا ذلك له، فقال عمر: هذا قمار، ولا أجيزه ثم نظر إلـى عبد الرحمن، فقال: ما ترى؟ قال: شاة. فقال عمر: وأنا أرى ذلك. فلـما قـفَّـى الرجلان من عند عمر، قال أحدهما لصاحبه: ما درى عمر ما يقول حتـى سأل الرجل فردّهما عمر فقال: إن الله تعالـى لـم يرض بعمر وحده فقال: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف.

وقال آخرون: بل ينظر العدلان إلـى الصيد الـمقتول فـيقوّمانه قـيـمته دراهم، ثم يأمران القاتل أن يشتري بذلك من النعم هدياً. فـالـحاكمان يحكمان فـي قول هؤلاء بـالقـيـمة، وإنـما يحتاج إلـيهما لتقويـم الصيد قـيـمته فـي الـموضع الذي أصابه فـيه. وقد ذكرنا عن إبراهيـم النـخعي فـيـما مضى قبل أنه كان يقول: ما أصاب الـمـحرم من شيء حكم فـيه قـيـمته، وهو قول جماعة من متفقهة الكوفـيـين.

وأما قوله: { هَدْياً } فإنه مصدر علـى الـحال من الهاء التـي فـي قوله: { يَحْكُمُ بِهِ }، وقوله: { بـالِغَ الكَعْبَةِ } من نعت الهدي وصفته. وإنـما جاز أن ينعت به وهو مضاف إلـى معرفة، لأنه فـي معنى النكرة، وذلك أن معنى قوله: { بـالِغَ الكَعْبَةِ } يبلغ الكعبة، فهو وإن كان مضافـاً فمعناه التنوين، لأنه بـمعنى الاستقبـال، وهو نظير قوله: هَذَا عارِضٌ مُـمْطِرُنا فوصف بقوله: «مـمطرنا» عارضاً، لأن فـي «مـمطرنا» معنى التنوين، لأن تأويـله الإستقبـال، فمعناه: هذا عارض يـمطرنا، فكذلك ذلك فـي قوله: { هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ }.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أوْ كَفَّـارَةٌ طعَامٌ مسَاكِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: أو علـيه كفـارة طعام مساكين. والكفَّـارة معطوفة علـى «الـجزاء» فـي قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }.

واختلف القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: { أوْ كَفَّـارَةٌ طعَامِ مسَاكِينَ } بـالإضافة. وأما قرّاء أهل العراق، فإن عامتهم قرءوا ذلك بتنوين الكفَّـارة ورفع الطعام: { أوْ كَفَّـارةٌ طعَامُ مسَاكِينَ }.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندنا بـالصواب، قراءة من قرأ بتنوين الكفـارة ورفع الطعام، للعلة التـي ذكرناها فـي قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: { أوْ كَفَّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ } فقال بعضهم: معنى ذلك أن القاتل وهو مـحرم صيداً عمداً، لا يخـلو من وجوب بعض هذه الأشياء الثلاثة التـي ذكر الله تعالـى من مثل الـمقتول هدياً بـالغ الكعبة، أو طعام مسكين كفَّـارة لـما فعل، أو عدل ذلك صياماً، لأنه مخير فـي أيّ ذلك شاء فعل، وأنه بأيها كان كفر فقد أدّى الواجب علـيه وإنـما ذلك إعلام من الله تعالـى عبـاده أن قاتل ذلك كما وصف لن يخرج حكمه من إحدى الـخلال الثلاثة. قالوا: فحكمه إن كان علـى الـمثل قادراً أن يحكم علـيه بـمثل الـمقتول من النعم، لا يجزيه غير ذلك ما دام للـمثل واجداً. قالوا: فإن لـم يكن له واجداً، أو لـم يكن للـمقتول مثل من النعم، فكفَّـارته حينئذٍ إطعام مساكين. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَـالِغَ الكَعْبَةِ أو كَفَّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً لِـيَذُوقَ وَبـالَ أمْرِهِ } قال: إذ قتل الـمـحرم شيئاً من الصيد حكم علـيه فـيه، فإن قتل ظبـياً أو نـحوه فعلـيه شاة تذبح بـمكة. فإن لـم يجدها، فإطعام ستة مساكين. فإن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام. وإن قتل أيلاً أو نـحوه، فعلـيه بقرة. فإن لـم يجد، أطعم عشرين مسكيناً، فإن لـم يجد صام عشرين يوماً. وإن قتل نعامة أو حمار أو وحش أو نـحوه، فعلـيه بدنة من الإبل. فإن لـم يجد أطعم ثلاثـين مسكيناً، فإن لـم يجد صام ثلاثـين يوماً. والطعام مدّ مدّ يشبعهم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ }... إلـى قوله: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } فـالكفَّـارة من قتل ما دون الأرنب إطعام.

حدثنا هناد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم، عن ابن عبـاس، قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد حكم علـيه جزاؤه من النعم، فإن وجد جزاء ذبحه فتصدّق به، وإن لـم يجد جزاءه قوّم الـجزاء دراهم، ثم قوّمت الدراهم حنطة، ثم صام مكان كلّ صاع يوماً. قال: إنـما أريد بـالطعام: الصوم، فإذا وجد طعاماً وجد جزاء.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن جابر، عن عطاء ومـجاهد وعامر: { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِـيَذُوقَ } قال: إنـما الطعام لـمن لـم يجد الهدي.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم أنه كان يقول: إذا أصاب الـمـحرم شيئاً من الصيد علـيه جزاؤه من النعم، فإن لـم يجد قُوّم الـجزاء دراهم، ثم قوّمت الدراهم طعاماً، ثم صام لكلّ نصف صاع يوماً.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد فحكم علـيه، فإن فضل منه ما لا يتـمّ نصف صاع صام له يوماً، ولا يكون الصوم إلا علـى من لـم يجد ثمن هدي فـيحكم علـيه الطعام. فإن لـم يكن عنده طعام يتصدّق به، حكم علـيه الصوم، فصام مكان كلّ نصف صاع يوماً. { كَفَّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ } قال: فـيـما لا يبلغ ثمن هدي. { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } من الـجزاء إذا لـم يجد ما يشتري به هدياً، أو ما يتصدّق به، مـما لا يبلع ثمن هدي، حكم علـيه الصيام مكان كلّ نصف صاع يوماً.

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال مـجاهد: { ومَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قال: علـيه من النعم مثله هدياً بـالغ الكعبة، ومن لـم يجد ابتاع بقـيـمته طعاماً، فـيطعم كلّ مسكين مدّين، فإن لـم يجد صام عن كلّ مدّين يوماً.

حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً }... إلـى قوله: { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } قال: إذ قتل صيداً فعلـيه جزاؤه مثل ما قتل من النعم، فإن لـم يجد ما حكم علـيه قوِّم الفداء كم هو درهماً، وقدّر ثمن ذلك بـالطعام علـى الـمسكين، فصام عن كلّ مسكين يوماً، ولا يحلّ طعام الـمسكين، لأن من وجد طعام المسكين فهو يجد الفداء.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: قال لـي الـحسن بن مسلـم: من أصاب الصيد مـما جزاؤه شاة، فذلك الذي قال الله تعالـى: { فَجَزَاءٌ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وما كان من كفَّـارة طعام مساكين مثل العصفور يقتل ولا يبلغ أن يكون فـيه هدي { أو عدْلُ ذلك صِيَاماً لِيَذُوقَ } قال عدل النعامة أو العصفور، أو عدل ذلك كله. فذكرت ذلك لعطاء، فقال: كلّ شيء فـي القرآن «أو أو»، فلصاحبه أن يختار ما شاء.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس، فـي قوله { لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } فإن لـم يجد جزاء، قوّم علـيه الـجزاء طعاماً ثم صاع لكلّ صاع يومين،

وقال آخرون: معنى ذلك: أن للقاتل صيداً عمداً وهو مـحرم، الـخيار بـين إحدى الكفَّـارات الثلاث وهي الـجزاء بـمثله من النعم والطعام والصوم. قالوا: وإنـما تأويـل قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ أوْ كَفَّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } فعلـيه أن يجزي بـمثله من النعم، أو يكفِّر بإطعام مساكين أو بعدل الطعام من الصيام. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، فـي قول الله تعالـى: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَة أوْ كَفَّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } قال: إن أصاب إنسان مـحرم نعامة، فإن له أن كان ذا يسار أن يهدي ما شاء جزوراً أو عدلها طعاماً أو عدلها صياماً. قال: كلّ شيء فـي القرآن «أو أو»، فلـيختر منه صاحبه ما شاء.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، فـي قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قال: ما كان فـي القرآن «أو كذا أو كذا»، فصاحبه فـيه بـالـخيار، أيّ ذلك شاء فعل.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أسبـاط وعبد الأعلـى، عن داود، عن عكرمة، قال: ما كان فـي القرآن «أو أو»، فهو فـيه بـالـخيار، وما كان «فمن لـم يجد» فـالأوّل، ثم الذي يـلـيه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن عمرو، عن الـحسن، مثله.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا لـيث، عن عطاء ومـجاهد، أنهما قالا فـي قوله: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قالا: ما كان فـي القرآن «أو كذا أو كذا»، فصاحبه فـيه بـالـخيار أي ذلك شاء فعل.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك: ما كان فـي القرآن «أو كذا أو كذا»، فصاحبه فـيه بـالـخيار، أيّ ذلك شاء فعل.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو حمزة، عن الـحسن. قال: وأخبرنا عبـيدة، عن إبراهيـم قالا: كلّ شيء فـي القرآن «أو أو»، فهو بـالـخيار، أيّ ذلك شاء فعل.

حدثنا هناد، قال: ثنا حفص، عن لـيث، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، قال: كل شيء فـي القرآن «أو أو» فصاحبه مخير فـيه، وكلّ شيء فمن لـم يجد فـالأول، ثم الذي يـلـيه.

واختلف القائلون بتـخيـير قاتل الصيد من الـمـحرمين بـين الأشياء الثلاثة فـي صفة اللازم له من التكفـير بـالإطعام والصوم إذا اختار الكفَّـارة بأحدهما دون الهدي، فقال بعضهم: إذا اختار التكفـير بذلك، فإن الواجب علـيه أن يقوّم الـمثل من النعم طعاماً، ثم يصوم مكان كلّ مدّ يوماً. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: أخبرنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً }؟ قال: إن أصاب ما عدله شاة أقـيـمت الشاة طعاماً، ثم جعل مكان كلّ مدّ يوماً يصومه.

وقال آخرون: بل الواجب علـيه إذا أراد التكفـير بـالإطعام أو الصوم، أن يقوِّم الصيد الـمقتول طعاماً، ثم يتصدق بـالطعام إن اختار الصدقة، وإن اختار الصوم صام.

ثم اختلفوا أيضاً فـي الصوم، فقال بعضهم: يصوم لكلّ مدّ يوماً. وقال آخرون: يصوم مكان كلّ نصف صاع يوماً. وقال آخرون: يصوم مكان كلّ صاع يوماً.

ذكر من قال: الـمتقوّم للإطعام هو الصيد الـمقتول:

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا جامع بن حماد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة، عن قتادة: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ }... الآية، قال: كان قتادة يقول: يحكمان فـي النعم، فإن كان لـيس صيده ما يبلغ ذلك، نظروا ثمنه فقوّموه طعاماً، ثم صام مكان كلّ صاع يومين.

وقال آخرون: لا معنى للتكفـير بـالإطعام، لأن من وجد سبـيلاً إلـى التكفـير بـالإطعام، فهو واجد إلـى الـجزاء بـالـمثل من النعم سبـيلاً، ومن وجد إلـى الـجزاء بـالـمثل من النعم سبـيلاً لـم يجزه التكفـير بغيره. قالوا: وإنـما ذكر الله تعالـى ذكره الكفَّـارة بـالإطعام فـي هذا الـموضع لـيدلّ علـى صفة التكفـير بـالصوم لا أنه جعل التكفـير بـالإطعام إحدى الكفَّـارات التـي يكفر بها قتل الصيد، وقد ذكرنا تأويـل ذلك فـيـما مضى قبل.

وأولـى الأقوال بـالصواب عندي فـي قوله الله تعالـى: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } أن يكون مراداً به: فعلـى قاتله متعمداً مثل الذي قتل من النعم، لا القـيـمة إن اختار أن يجزيه بـالـمثل من النعم وذلك أن القـيـمة إنـما هي من الدنانـير أو الدراهم أو الدنانـير لـيست للصيد بـمثل، والله تعالـى إنـما أوجب الـجزاء مثلاً من النعم.

وأولـى الأقوال بـالصواب عندي فـي قوله: { أوْ كَفَّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً }: أن يكون تـخيـيراً، وأن يكون للقاتل الـخيار فـي تكفـيره بقتله الصيد وهو مـحرم بأيّ هذه الكفـارات الثلاث شاء، لأن الله تعالـى جعل ما أوجب فـي قتل الصيد من الـجزاء والكفـارة عقوبة لفعله، وتكفـيراً لذنبه فـي إتلافه ما أتلف من الصيد الذي كان حراماً علـيه إتلافه فـي حال إحرامه، وقد كان حلالاً له قبل حال إحرامه، كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك فـي حلق الشعر الذي حلقه الـمـحرم فـي حال إحرامه، وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه، ثم منع من حلقه فـي حال إحرامه نظير الصيد، ثم جعل علـيه إن حلقه جزاء من حلقه إياه، فأجمع الـجميع علـى أنه فـي حلقه إياه إذا حلقه من إيذائه مخير فـي تكفـيره، فعلـيه ذلك بأيّ الكفـارات الثلاث شاء، فمثله إن شاء الله قاتل الصيد من الـمـحرمين، وأنه مخير فـي تكفـيره قتله الصيد بأيّ الكفـارات الثلاث شاء، لا فرق بـين ذلك. ومن أبى ما قلنا فـيه، قـيـل له: حكم الله تعالـى علـى قاتل الصيد بـالـمثل من النعم، أو كفَّـارة طعام مساكين، أو عدله صياماً، كما حكم علـى الـحالق بفدية من صيام أو صدقة أو نسك، فزعمت أن أحدهما مخير فـي تكفـير ما جعل منه، عوض بأيّ الثلاث شاء، وأنكرت أن يكون ذلك للآخر، فهل بـينك وبـين من عكس علـيك الأمر فـي ذلك فجعل الـخيار فـيه حيث أبـيت وأبى حيث جعلته له فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول فـي أحدهما قولاً، إلا ألزم فـي الآخر مثله.

ثم اختلفوا فـي صفة التقويـم إذا أراد التكفـير بـالإطعام، فقال بعضهم: يقوّم الصيد قـيـمته بـالـموضع الذي أصابه فـيه، وهو قول إبراهيـم النـخعي، وحماد، وأبـي حنـيفة، وأبـي يوسف، ومـحمد، وقد ذكرت الرواية عن إبراهيـم وحماد فـيـما مضى بـما يدلّ علـى ذلك، وهو نصّ قول أبـي حنـيفة وأصحابه.

وقال آخرون: بل يقوّم ذلك بسعر الأرض التـي يكفِّر بها. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: ثنا إسرائيـل، عن جابر، عن عامر، قال فـي مـحرم أصاب صيداً بخراسان، قال: يكفِّر بـمكة أو بـمنى، وقال: يقوّم الطعام بسعر الأرض التـي يكفِّر بها.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو يـمان، عن إسرائيـل، عن جابر، عن الشعبـي، فـي رجل أصاب صيداً بخراسان، قال: يحكم علـيه بـمكة.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن قاتل الصيد إذا جزاه بـمثله من النعم، فإنـما يجزيه بنظيره فـي خـلق وقدره فـي جسمه من أقرب الأشياء به شبهاً من الأنعام، فإنْ جزاه بـالإطعام قوّمه قـيـمته بـموضعه الذي أصابه فـيه، لأنه هنالك وجب علـيه التكفـير بـالإطعام، ثم إن شاء أطعم بـالـموضع الذي أصابه فـيه وإن شاء بـمكة وإن شاء بغير ذلك من الـمواضع حيث شاء لأن الله تعالـى إنـما شرط بلوغ الكعبة بـالهدي فـي قتل الصيد دون غيره من جزائه، فللـجازي بغير الهدى أن يجزيه بـالإطعام والصوم حيث شاء من الأرض.

وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل العلـم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: ثنا ابن أبـي عروبة، عن أبـي معشر، عن إبراهيـم قال: ما كان من دم فبـمكة، وما كان من صدقة أو صوم حيث شاء.

وقد خالف ذلك مخالفون، فقالوا: لا يجزىء الهدى والإطعام إلا بـمكة، فأما الصوم فإن كفر به يصوم حيث شاء من الأرض. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن حماد بن سلـمة، عن قـيس بن سعد، عن عطاء، قال: الدم والطعام بـمكة، والصيام حيث شاء.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن مالك بن مغول، عن عطاء، قال: كفَّـارة الـحجّ بـمكة.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: قلت: لعطاء: أين يتصدّق بـالطعام إن بدا له؟ قال: بـمكة من أجل أنه بـمنزله الهدي، قال: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ أوْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ } من أجل أنه أصابه فـي حرم يريد البـيت فجزاؤه عند البـيت.

فأما الهدي، فإنه من جرّاء ما قتل من الصيد، فلن يجزئه من كفَّـارة ما قتل من ذلك إلا أن يبلغه الكعبة طيبـاً، وينـحره أو يذبحه، ويتصدّق به علـى مساكين الـحرم. ويعنـي بـالكعبة فـي هذا الـموضع: الـحرم كله، ولـمن قدم بهدية الواجب من جزاء الصيد أن ينـحره فـي كلّ وقت شاء قبل يوم النـحر وبعده، ويطعمه وكذلك إن كفَّر بـالطعام فله أن يكفِّر به متـى أحبّ وحيث أحبّ، وإن كفَّر بـالصوم فكذلك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل، خلا ما ذكرنا من اختلافهم فـي التكفـير بـالإطعام علـى ما قد بـينا فـيـما مضى. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } هل لصيامه وقت؟ قال: لا، إذا شاء وحيث شاء، وتعجيـله أحبّ إلـيّ.

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: رجل أصاب صيداً فـي الـحجّ أو العمرة، فأرسل بجزائه إلـى الـحرم فـي الـمـحرّم أو غيره من الشهور، أيجزىء عنه؟ قال: نعم ثم قرأ: { هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ } قال هناد: قال يحيى: وبه نأخذ.

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج وابن أبـي سلـيـم، عن عطاء، قال: إذا قدمت مكة بجزاء صيد فـانـحره، فإن الله تعالـى يقول: { هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ } إلا أن يقدّم فـي العشر، فـيؤخر إلـى يوم النـحر.

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: ثنا ابن جريج، عن عطاء، قال: يتصدّق الذي يصيب الصيد بـمكة، فإن الله تعالـى يقول: { هدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ }.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً }.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: أو علـى قاتل الصيد مـحرماً عدل الصيد الـمقتول من الصيام، وذلك أن يقوّم الصيد حيّاً غير مقتول من الطعام بـالـموضع الذي قتله فـيه الـمـحرم، ثم يصوم مكان كلّ مدّ يوماً وذلك أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم عدل الـمدّ من الطعام بصوم يوم فـي كفَّـارة الـمواقع فـي شهر رمضان.

فإن قال قائل: فهلاَّ جعلت مكان كلّ صاع فـي جزاء الصيد صوم يوم قـياساً علـى حكم النبـي صلى الله عليه وسلم فـي نظيره، وذلك حكمه علـى كعب بن عجرة، إذ أمره أن يطعم إن كفر بـالإطعام فَرْقاً من طعام وذلك ثلاثة آصع بـين ستة مساكين، فإن كفَّر بـالصيام أن يصوم ثلاثة أيام، فجعل الأيام الثلاثة فـي الصوم عدلاً من إطعام ثلاثة آصع، فإن ذلك بـالكفـارة فـي جزاء الصيد أشبه من الكفـارة فـي قتل الصيد بكفـارة الـمواقع امرأته فـي شهر رمضان؟ قـيـل: إن القـياس إنـما هو ردّ الفروع الـمختلف فـيها إلـى نظائرها من الأصول الـمـجمع علـيها، ولا خلاف بـين الـجميع من الـحجة، أنه لا يجزىء مكفرِّا كفَّر فـي قتل الصيد بـالصوم، أن يعدل صوم يوم بصاع طعام. فإن كان ذلك كذلك، وكان غير جائز خلافها فـيـما حدّث به من الدين مـجمعة علـيه صحّ بذلك أن حكم معادلة الصوم الطعام فـي قتل الصيد مخالف حكم معادلته إياه فـي كفَّـارة الـحلق، إذا كان غير جائز، وداخـل علـى آخر قـياساً وإنـما يجوز أن يقاس الفرع علـى الأصل، وسواء قال قائل: هلا رددت حكم الصوم فـي كفَّـارة قتل الصيد علـى حكمه فـي حلق الأذى فـيـما يعدل به من الطعام وآخر قال: هلا رددت حكم الصوم فـي الـحلق علـى حكمه فـي كفَّـارة قتل الصيد فـيـما يعدل به من الطعام، فتوجب علـيه مكان كل مدّ، أو مكان كل نصف صاع صوم يوم.

وقد بـينا فـيـما مضى قبل أن العَدْل فـي كلام العرب بـالفتـح، وهو قدر الشيء من غير جنسه، وأن العِدْل هو قدره من جنسه. وقد كان بعض أهل العلـم بكلام العرب يقول: العَدْل مصدر من قول القائل: عَدَلْت بهذا عَدْلاً حسناً. قال: والعَدْل أيضاً بـالفتـح: الـمثل، ولكنهم فرّقوا بـين العدل فـي هذا وبـين عِدْل الـمتاع، بأن كسروا العين من عِدْل الـمتاع، وفتـحوها من قولهم: وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وقول الله عزّ وجلّ: { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } كما قالوا: امرأة رزان، وحَجَر رزين.

وقال بعضهم: العَدْل: هو القسط فـي الـحقّ، والعِدْل بـالكسر: الـمثل، وقد بـينا ذلك بشواهده فـيـما مضى. وأما نصب «الصيام» فإنه علـى التفسير كما يقال عندي ملء زقّ سمناً، وقدر رطل عسلاً.

وبنـحو الذي قلنا ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما عَدل ذلك صياماً؟ قال: عَدْل الطعام من الصيام. قال: لكلّ مدّ يوماً يؤخذ زعم بصيام رمضان وبـالظهار. وزعم أن ذلك رأى يراه ولـم يسمعه من أحد، ولـم تـمض به سنة. قال: ثم عاودته بعد ذلك بحين، قلت: ما عدل ذلك صياماً؟ قال: إن أصاب ما عدله شاة، قوّمت طعاماً ثم صام مكان كلّ مدّ يوماً. قال: ولـم أسأله: هذا رأي أو سنة مسنونة؟

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله عزّ وجلّ: { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } قال: يصوم ثلاثة أيام، إلـى عشرة أيام.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد: { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } من الـجزاء إذا لـم يجد ما يشتري به هدياً أو ما يتصدّق به مـما لا يبلغ ثمن هدي، حكم علـيه الصيام مكان كلّ نصف صاع يوماً.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـي بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس: { أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياماً } قال: إذا قتل الـمـحرم شيئاً من الصيد حكم علـيه فـيه، فإن قتل ظبـياً أو نـحوه فعلـيه شاة تذبح بـمكة، فإن لـم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام. وإن قتل أيِّلاً أو نـحوه فعلـيه بقرة، فإن لـم يجد أطعم عشرين مسكيناً، فإن لـم يجد صام عشرين يوماً وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نـحوه، فعلـيه بدنة من الإبل، فإن لـم يجد أطعم ثلاثـين مسكيناً، فإن لـم يجد صام ثلاثـين يوماً، والطعام مدّ مدّ يشبعهم.

حدثنا ابن البرقـي، قال: ثنا عمرو بن أبـي سلـمة، عن سعيد، الـمـحرم يصيب الصيد فـيكون علـيه الفدية شاة، أو البقرة أو البدنة، فإن لـم يجد فما عدل ذلك من الصيام أو الصدقة؟ قال: ثمن ذلك فإن لـم يجد ثمنه قوّم ثمنه طعاماً يتصدّق به لكلّ مسكين مدّ، ثم يصوم لكلّ مدّ يوماً.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لِـيَذُوقَ وَبَـالَ أمْرِهِ }.

يقول جلّ ثناؤه: أوجبت علـى قاتل الصيد مـحرماً ما أوجبت من الـحقّ أو الكفَّـارة الذي ذكرت فـي هذه الآية، كي يذوق وبـال أمره وعذابه، يعنـي «بأمره»: ذنبه وفعله الذي فعله من قتله ما نهاه الله عزّ وجلّ عن قتله فـي حال إحرامه يقول: فألزمته الكفَّـارة التـي ألزمته إياها، لأذيقه عقوبة ذنبه بإلزامه الغرامة، والعمل ببدنه مـما يتعبه ويشقّ علـيه. وأصل الوبـال: الشدّة فـي الـمكروه. ومنه قول الله: { { فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أخْذا وَبِـيلاً } .

وقد بـين تعالـى ذكره بقوله: { لِـيَذُوقَ وَبَـالَ أمْرِهِ } أن الكفَّـارات اللازمة الأموال والأبدان عقوبـات منه لـخـلقه، وإن كانت تـمـحيصاً لهم، وكفَّـارة لذنوبهم التـي كفرَّوها بها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: أما وَبـال أمره، فعقوبة أمره.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { عَفـا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ }.

يقول جلّ ثناؤه لعبـاده الـمؤمنـين به وبرسوله صلى الله عليه وسلم: عفـا الله أيها الـمؤمنون عما سلف منكم فـي جاهلـيتكم من إصابتكم الصيد وأنتـم حرم وقتلكموه، فلا يؤاخذكم بـما كان منكم فـي ذلك قبل تـحريـمه إياه علـيكم، ولا يـلزمكم له كفَّـارة فـي مال ولا نفس، ولكن من عاد منكم لقتله وهو مـحرم بعد تـحريـمه بـالـمعنى الذي يقتله فـي حال كفره وقبل تـحريـمه علـيه من استـحلاله قتله، فـينتقم الله منه.

وقد يحتـمل أن يكون ذلك فـي معناه: من عاد لقتله بعد تـحريـمه فـي الإسلام فـينتقم الله منه فـي الآخرة، فأما فـي الدنـيا فإن علـيه من الـجزاء والكفَّـارة فـيها ما بـينت.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما { عَفَـا اللَّهُ عمَّا سَلَفَ }؟ قال: عما كان فـي الـجاهلـية، قال: قلت: ما { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ }؟ قال: من عاد فـي الإسلام، فـينتقم الله منه، وعلـيه مع ذلك الكفَّـارة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء، فذكر نـحوه، وزاد فـيه، وقال: وإن عاد فقتل علـيه الكفَّـارة. قلت: هل فـي العود من حدّ بعلـم؟ قال: لا، قلت: فترى حقاً علـى الإمام أن يعاقبه؟ قال: هو ذنب أذنبه فـيـما بـينه وبـين الله، ولكن يفتدي.

حدثنا سفـيان، قال: ثنا مـحمد بن بكر، وأبو خالد، عن ابن جريج، عن عطاء: { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } قال: فـي الإسلام، وعلـيه مع ذلك الكفَّـارة، قلت: علـيه من الإمام عقوبة؟ قال: لا.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء: { عَفـا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } عما كان فـي الـجاهلـية، { وَمَنْ عادَ } قال: فـي الإسلام، { فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } وعلـيه الكفَّـارة. قال: قلت لعطاء: فعلـيه من الإمام عقوبة؟ قال: لا.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: يحكم علـيه فـي الـخطإ والعمد والنسيان وكلـما أصاب قال الله عزّ وجلّ: { عَفـا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } قال: ما كان فـي الـجاهلـية، { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } مع الكفَّـارة. قال سفـيان: قال ابن جريج: فقلت: أيعاقبه السلطان؟ قال: لا.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مـحمد بن بكر وأبو خالد، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: { عَفـا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ }؟ قال: عما كان فـي الـجاهلـية.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن عطاء بن أبـي ربـاح، أنه قال: يحكم علـيه كلـما عاد.

حدثنا هناد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، قال: كلـما أصاب الـمـحرم الصيد ناسياً حكم علـيه.

حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: ثنا فضيـل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: كلـما أصاب الصيد الـمـحرم حكم علـيه.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا سفـيان بن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن عطاء، قال: من قتل الصيد ثم عاد حكم علـيه.

حدثنا عمرو، قال: ثنا سفـيان بن عيـينة، عن داود بن أبـي هند، عن سعيد بن جبـير، قال: يحكم علـيه فـيخـلع، أو يترك.

حدثنا عمرو، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود بن أبـي هند، عن سعيد بن جبـير: الذي يصيب الصيد وهو مـحرم فـيحكم علـيه ثم يعود؟ قال: يحكم علـيه.

حدثنا عمرو، قال: ثنا كثـير بن هشام، قال: ثنا الفرات بن سليم، عن عبد الكريـم، عن عطاء، قال: يحكم علـيه كلـما عاد.

وقال آخرون: معنى ذلك: عفـا الله عما سلف منكم فـي ذلك فـي الـجاهلـية، ومن عاد فـي الإسلام فـينتقم الله منه بإلزامه الكفَّـارة. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي ابن البرقـي، قال: ثنا عمرو، عن زهير، عن سعيد بن جبـير وعطاء، فـي قول الله تعالـى: { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } قالا: ينتقم الله، يعنـي بـالـجزاء. { عفـا الله عَمَّا سَلَفَ } فـي الـجاهلـية.

وقال آخرون: فـي ذلك: عفـا الله عما سلف مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلَ منكم الصيد حراماً فـي أوّل مرّة، ومن عاد ثانـية لقتله بعد أولـى حراماً، فـالله ولـيّ الانتقام منه دون كفَّـارة تلزمه لقتله إياه. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس: من قتل شيئاً من الصيد خطأ وهو مـحرم، حكم علـيه فـيه مرّة واحدة، فإن عاد يقال له: ينتقم الله منك، كما قال الله عزّ وجلّ.

حدثنا يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: ثنا فضيـل بن عياض، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد حكم علـيه، فإن عاد لـم يحكم علـيه، وكان ذلك إلـى الله عزّ وجلّ، إن شاء عاقبه وإن شاء عفـا عنه. ثم قرأ هذه الآية: { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ }.

حدثنا هناد، قال: ثنا يحيى بن أبـي زائدة، قال: ثنا داود، عن عامر، قال: جاء رجل إلـى شريح، فقال: إنـي أصبت صيداً وأنا مـحرم. فقال: هل أصبت قبل ذلك شيئاً؟ قال: لا. قال: لو قلت نعم وكلتك إلـى الله، يكون هو ينتقم منك، إنه عزيز ذو انتقام قال داود: فذكرت ذلك لسعيد بن جبـير، فقال: بل يحكم علـيه، أو يخـلع.

حدثنـي أبو السائب وعمرو بن علـيّ، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، قال: إذا أصاب الرجل الصيد وهو مـحرم، وقـيـل له أصبت صيداً مثل هذا؟ قال: فإن قال: نعم، قـيـل له: اذهب، فـينتقم الله منك وإن قال لا، حكم علـيه.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن سلـيـمان، عن إبراهيـم فـي الذي يقتل الصيد، ثم يعود، قال: كانوا يقولون: من عاد لا يحكم علـيه، أمره إلـى الله عزّ وجلّ.

حدثنا عمرو، قال: ثنا ابن عيـينة، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـي: أن رجلاً أتـى شريحاً، فقال: أصبت صيداً. قال: أصبت قبله صيداً؟ قال: لا، قال: أما إنك لو قلت نعم، لـم أحكم علـيك.

حدثنا عمرو، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، قال: ثنا داود، عن الشعبـيّ، عن شريح، مثله.

حدثنا عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن الأشعث، عن مـحمد، عن شريح فـي الذي يصيب الصيد، قال: يحكم علـيه، فإن عاد انتقم الله منه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلـم، عن عنبسة، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكُمْ } قال: يحكم علـيه فـي العمد مرّة واحدة، فإن عاد لـم يحكم علـيه وقـيـل له: اذهب ينتقم الله منك، ويحكم علـيه فـي الـخطأ أبداً.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، قال: رخص فـي قتل الصيد مرّة، فمن عاد لـم يدعه الله تعالـى حتـى ينتقم منه.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، مثله.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا يحيى بن سعيد وابن أبـي عديّ جميعاً، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، فـيـمن أصاب صيداً، فحكم علـيه، ثم عاد، قال: لا يحكم، ينتقم الله منه.

حدثنا عمرو، قال: ثنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنـما قال الله عزّ وجلّ: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً } يقول: متعمداً لقتله ناسياً لإحرامه، فذلك الذي يحكم علـيه، فإن عاد لا يحكم علـيه، وقـيـل له: ينتقم الله منك.

حدثنا عمرو، قال: ثنا كثـير بن هشام، قال: ثنا الفرات بن سليم، عن عبد الكريـم، عن مـجاهد: إن عاد لـم يحكم علـيه، وقـيـل له: ينتقم الله منك.

حدثنا عمرو، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا الأشعث، عن الـحسن فـي الذي يصيب الصيد، فـيحكم علـيه ثم يعود، قال: لا يحكم علـيه.

وقال آخرون: معنى ذلك: عفـا الله عما سلف من قتلكم الصيد قبل تـحريـم الله تعالـى ذلك علـيكم، ومن عاد لقتله بعد تـحريـم الله إياه علـيه عالـماً بتـحريـمه ذلك علـيه، عامداً لقتله، ذاكراً لإحرامه، فإن الله هو الـمنتقم منه، ولا كفَّـارة لذنبه ذلك، ولا جزاء يـلزمه له فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } قال: من عاد بعد نهي الله بعد أن يعرف أنه مـحرّم وأنه ذاكر لُـحْرمِه لـمْ ينبغ لأحد أن يحكم علـيه، ووكلوه إلـى نقمة الله عزّ وجلّ. فأما الذي يتعمد قتل الصيد وهو ناس لـحرمه، أو جاهل أن قتله مـحرّم، فهؤلاء الذين يحكم علـيهم. فأما من قتله متعمداً بعد نهي الله وهو يعرف أنه مـحرم وأنه حرام، فذلك يوكل إلـى نقمة الله، فذلك الذي جعل الله علـيه النقمة. وهذا شبـيه بقول مـجاهد الذي ذكرناه قبل.

وقال آخرون: عُنـي بذلك شخص بعينه. ذكر من قال ذلك:

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا معتـمر بن سلـيـمان، قال: ثنا زيد أبو الـمعلـى: أن رجلاً أصاب صيداً وهو مـحرم، فُتُـجوّز له عنه. ثم عاد، فأرسل الله علـيه ناراً فأحرقته، فذلك قوله: { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } قال: فـي الإسلام.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندنا، قول من قال: معناه: ومن عاد فـي الإسلام لقتله بعد نهي الله تعالـى عنه، فـينتقم الله منه، وعلـيه مع ذلك الكفَّـارة، لأن الله عز وجلٍ إذ أخبر أنه ينتقم منه لـم يخبرنا، وقد أوجب علـيه فـي قتله الصيد عمداً ما أوجب من الـجزاء أو الكفَّـارة بقوله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } أنه قد أزال عنه الكفَّـارة فـي الـمرّة الثانـية والثالثة، بل أعلـم عبـاده ما أوجب من الـحكم علـى قاتل الصيد من الـمـحرمين عمداً، ثم أخبر أنه منتقم مـمن عاد، ولـم يقل: ولا كفَّـارة علـيه فـي الدنـيا.

فإن ظنّ ظانّ أن الكفَّـارة مزيـلة للعقاب، ولو كانت الكفَّـارة لازمة له فـي الدنـيا لبطل العقاب فـي الآخرة، فقد ظنّ خطأ. وذلك أن الله عزّ وجلّ أن يخالف بـين عقوبـات معاصيه بـما شاء، وأحبّ فـيزيد فـي عقوبته علـى بعض معاصيه مـما ينقص من بعض، وينقص من بعض مـما يزيد فـي بعض، كالذي فعل من ذلك فـي مخالفته بـين عقوبته الزانـي البكر والزانـي الثـيب الـمـحصن، وبـين سارق ربع دينار وبـين سارق أقلّ من ذلك فكذلك خالف بـين عقوبته قاتل الصيد من الـمـحرمين عمداً ابتداء وبـين عقوبته عوداً بعد بدء، فأوجب علـى البـاديء الـمثل من النعم، أو الكفَّـارة بـالإطعام، أو العدل من الصيام، وجعل ذلك عقوبة جرمه بقوله: { لِـيذُوقَ وَبـالَ أمْرِهِ } وجعل علـى العائد بعد البدء، وزاده من عقوبته ما أخبر عبـاده أنه فـاعل من الانتقام تغلـيظاً منه للعود بعد البدء. ولو كانت عقوبـاته علـى الأشياء متفقة، لوجب أن لا يكون حدّ فـي شيء مخالفـاً حدّاً فـي غيره، ولا عقاب فـي الآخرة أغلظ من عقاب، وذلك خلاف ما جاء به مـحكم الفرقان. وقد زعم بعض الزاعمين أن معنى ذلك: ومن عاد فـي الإسلام بعد نهي الله عن قتله لقتله بـالـمعنى الذي كان القوم يقتلونه فـي جاهلـيتهم، فعفـا لهم عنه عند تـحريـم قتله علـيهم، وذلك قتله علـى استـحلال قتله. قال: فأما إذا قتله علـى غير ذلك الوجه، وذلك أن يقتله علـى وجه الفسوق لا علـى وجه الإستـحلال، فعلـيه الـجزاء والكفَّـارة كلـما عاد. وهذا قول لا نعلـم قائلاً قاله من أهل التأويـل، وكفـي خطأ بقوله خروجه عن أقوال أهل العلـم لو لـم يكن علـى خطئه دلالة سواه، فكيف وظاهر التنزيـل ينبىء عن فساده؟ وذلك أن الله عمّ بقوله: { وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } كل عائد لقتل الصيد بـالـمعنى الذي تقدم النهي منه به فـي أوّل الآية، ولـم يخصّ به عائداً منهم دون عائد، فمن ادّعى فـي التنزيـل ما لـيس فـي ظاهره كلف البرهان علـى دعواه من الوجه الذي يجب التسلـيـم له.

وأما من زعم أن معنى ذلك: ومن عاد فـي قتله متعمداً بعد بدء لقتل تقدّم منه فـي حال إحرامه فـينتقم الله منه، فإن معنى قوله: { عَفـا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } إنـما هو: عفـا عما سلف من ذنبه بقتله الصيد بدءاً، فإن فـي قول الله تعالـى: { لِـيَذُوقَ وَبـالَ أمْرِهِ } دلـيلاً واضحاً علـى أن القول فـي ذلك غير ما قال لأن العفو عن الـجرم ترك الـمؤاخذة به، ومن أذيق وبـال جرمه فقد عوقب به، وغير جائز أن يقال لـمن عوقب قد عفـي عنه، وخبر الله أصدق من أن يقع فـيه تناقض.

فإن قال قائل: وما ينكر أن يكون قاتل الصيد من الـمـحرمين فـي أوّل مرّة قد أذيق وبـال أمره بـما ألزم من الـجزاء والكفَّـارة، وعفـى له من العقوبة بأكثر من ذلك مـما كان لله عزّ وجلّ أن يعاقبه به؟ قـيـل له: فإن كان ذلك جائزاً أن يكون تأويـل الآية عندك وإن كان مخالفـاً لقول أهل التأويـل، فما ينكر أن يكون الانتقام الذي أوعده الله علـى العود بعد البدء، هو تلك الزيادة التـي عفـاها عنه فـي أوّل مرّة مـما كان له فعله به مع الذي أذاقه من وبـال أمره، فـيذيقه فـي عوده بعد البدء وبـال أمره الذي أذاقه الـمرّة الأولـى، ويترك عفوه عما عفـا عنه فـي البدء، فـيؤاخذه به؟ فلـم يقل فـي ذلك شيئاً إلا ألزم فـي الآخر مثله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ }.

يقول عزّ وجلّ: والله منـيع فـي سلطانه، لا يقهره قاهر، ولا يـمنعه من الانتقام مـمن انتقم منه، ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع، لأن الـخـلق خـلقه، والأمر أمره، له العزّة والـمنعة. وأما قوله: { ذُو انتِقام } فإنه يعنـي به: معاقبته لـمن عصاه علـى معصيته إياه.