يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت، ويحرمون أكل طيبات ما أحلّ الله لهم من رزقه أيها القوم: إن الله لم يحرّم ما تحرّمونه، بل أحلّ ذلك لعباده المؤمنين وطيَّبه لهم. وإنما حرّم ربي القبائح من الأشياء، وهي الفواحش، ما ظهر منها فكان علانية، وما بطن منها فكان سرّاً في خفاء. وقد رُوي عن مجاهد في ذلك ما:
حدثني الحرث، قال: ثني عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، قال: سمعت مجاهداً يقول في قوله: { ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ } قال: ما ظهر منها طواف أهل الجاهلية عراة، وما بطن: الزنا.
وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى فكرهت إعادته.
وأما الإثم: فإنه المعصية. والبغي: الاستطالة على الناس. يقول تعالى ذكره: إنما حرّم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَالإثمَ والَبغْيَ } أما الإثم: فالمعصية، والبغي: أن يبغي على الناس بغير الحقّ.
حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، قال: سمعت مجاهداً في قوله: { ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ والإثمَ والبَغْيَ } قال: نهى عن الإثم وهي المعاصي كلها، وأخبر أن الباغي بغيه كائن على نفسه.
القول في تأويل قوله تعالى: { وأنْ تُشْرِكُوا باللّهِ ما لَمْ يُنزّلّ بِهِ سُلْطاناً وأنْ تَقُولُوا على اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ }.
يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به أن تعبدوا مَعَ الله إلهاً غيرَهُ، { ما لَمْ ينزِّلْ بِهِ سُلْطاناً } يقول: حرّم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شركاً لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهاناً، وهو السلطان. { وأنْ تَقُولُوا على اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ } يقول: وأن تقولوا: إن الله أمركم بالتعرّي والتجرّد للطواف بالبيت، وحرّم عليكم أكل هذه الأنعام التي حرّمتموها وسيِّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي، وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرّمه أو أمر به أو أباحه، فتضيفوا إلى الله تحريمه وحظره والأمر به، فإن ذلك هو الذي حرّمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرّمه أو تقولون إن الله أمركم به جهلاً منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله.