خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٣٧
-الأنفال

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم، وينفقون أموالهم للصدّ عن سبـيـل الله إلـى جهنـم، لـيفرّق بـينهم وهم أهل الـخبث كما قال وسماهم { الـخَبِـيثَ }، وبـين الـمؤمنـين بـالله وبرسوله، وهم الطيبون، كما سماهم جلّ ثناؤه. فميز جلّ ثناؤه بـينهم بأن أسكن أهل الإيـمان به وبرسوله جناته، وأنزل أهل الكفر ناره.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { لِـيَـمِيزَ اللّهُ الـخَبِـيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } فميز أهل السعادة من أهل الشقاوة.

حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ثم ذكر الـمشركين، وما يصنع بهم يوم القـيامة، فقال: { لِـيَـمِيزَ اللّهُ الـخَبِـيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } يقول: يـميز الـمؤمن من الكافر. { فَـيَجْعَلَ الـخَبِـيثَ بَعْضَهُ علـى بَعْضٍ }.

ويعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { فيجعل الـخَبِـيثَ بَعْضَهُ علـى بَعْضٍ } فـيجعل الكفـار بعضهم فوق بعض. { فَـيرْكُمَهُ جَمِيعاً } يقول: فنـجعلهم ركاماً، وهو أن يجمع بعضهم إلـى بعض حتـى يكثروا، كما قال جلّ ثناؤه فـي صفة السحاب: { { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَـيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلْهُ رُكاماً } : أي مـجتمعاً كثـيفـاً. وكما:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { فَـيرْكُمَهُ جَميعاً } قال: فـيجمعه جميعاً بعضه علـى بعض.

وقوله: { فَـيَجْعَلَهُ فِـي جَهَنَّـمَ } يقول: فـيجعل الـخبـيث جميعا فـي جهنـم، فوحد الـخبر عنهم لتوحيد قوله: { لِـيَـمِيزَ اللّهُ الـخَبِـيثَ }، ثم قال: { أُولَئِكَ هُمُ الـخاسِرُونَ } فجمع ولـم يقل: ذلك هو الـخاسر، فردّه إلـى أوّل الـخبر. ويعنـي ب «أولئك» الذين كفروا، وتأويـله: هؤلاء الذين ينفقون أموالهم لـيصدوا عن سبـيـل الله هم الـخاسرون. ويعنـي بقوله: { الـخَاسِرُونَ } الذين غبنت صفقتهم وخسرت تـجارتهم وذلك أنهم شروا بأموالهم عذاب الله فـي الآخرة، وتعجلوا بإنفـاقهم إياها فـيـما أنفقوا من قتال نبـيّ الله والـمؤمنـين به الـخزي والذلّ.