قرأ زيد بن ثابت «اتحاجُّونَّا» بإدغام النون. والمعنى: اتجادلوننا في شأن الله واصطفائه النبي من العرب دونكم، وتقولون: لو أنزل الله على أحد لأنزل علينا، وترونكم أحق بالنبوة منا { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } نشترك جميعاً في أننا عباده، وهو ربنا، وهو يصيب برحمته وكرامته من يشاء من عباده، هم فوضى في ذلك لا يختص به عجمي دون عربي إذا كان أهلاً للكرامة { وَلَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } يعني أن العمل هو أساس الأمر وبه العبرة، وكما أن لكم أعمالاً يعتبرها الله في إعطاء الكرامة ومنعها فنحن كذلك. ثم قال: { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } فجاء بما هو سبب الكرامة، أي ونحن له موحدون نخلصه بالإيمان فلا تستبعدوا أن يؤهل أهل إخلاصه لكرامته بالنبوّة، وكانوا يقولون: نحن أحقّ بأن تكون النبوَّة فينا، لأنا أهل كتاب والعرب عبدة أوثان { أَمْ تَقُولُونَ } يحتمل فيمن قرأ بالتاء أن تكون أم معادلة للهمزة في { أَتُحَاجُّونَنَا } بمعنى أيّ الأمرين تأتون: المحاجة في حكمة الله أم ادّعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء؟ والمراد بالاستفهام عنهما إنكارهما معاً، وأن تكون منقطعة بمعنى:بل أتقولون، والهمزة للإنكار أيضاً، وفيمن قرأ بالياء لا تكون إلا منقطعة { قُلْ ءأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } يعني أن الله شهد لهم بملة الإسلام في قوله:
{ { مَا كَانَ إِبْرٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا } [آل عمران: 67]. { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَـٰدَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } أي كتم شهادة الله التي عنده أنه شهد بها وهي شهادته لإبراهيم بالحنيفية. ويحتمل معنيين: أحدهما أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم، لأنهم كتموا هذه الشهادة وهم عالمون بها. والثاني: أنا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فلا نكتمها. وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة في كتبهم وسائر شهاداته. (ومن) في قوله: { شَهَـٰدَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } مثلها في قولك: هذه شهادة مني لفلان إذا شهدت له، ومثله { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [التوبة: 1].