إيجاس الخوف: إضمار شيء منه، وكذلك توجس الصوت: تسمع نبأة يسيرة منه، وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية، وأنه لا يكاد يمكن الخلوّ من مثله. وقيل: خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه { إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } فيه تقرير لغلبته وقهره، وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلوّ وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله { مَا فِى يَمِينِكَ } ولم يقل عصاك: جائز أن يكون تصغيراً لها، أي: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها، وجائز أن يكون تعظيماً لها أي: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة، فإن في يمينك شيئاًأعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده، فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها. وقرىء { تَلْقَفْ } بالرفع على الاستئناف أو على الحال، أي: ألقها متلقفة وقرىء «تلقف» بالتخفيف. { صَنَعُواْ } ههنا بمعنى زوّروا وافتعلوا كقوله تعالى:
{ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [الأعراف: 117] قرىء { كَيْدُ سَاحِرٍ } بالرفع والنصب. فمن رفع فعلى أنّ (ما) موصولة. ومن نصب فعلى أنها كافة. وقرىء: «كيد سحر» بمعنى: ذي سحر، أو ذوي سحر. أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه وبذاته. أو بين الكيد، لأنه يكون سحراً وغير سحر، كما تبين المائة بدرهم. ونحوه: علم فقه، وعلم نحو. فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت: لأنّ القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد، فلو جمع، لخيل أنّ المقصود هو العدد. ألا ترى إلى قوله: { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـاحِرُ } أي هذا الجنس. فإن قلت: فلم نكر أولاً وعرف ثانياً؟ قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف، لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العَجَّاج:في سَعْي دُنْيَا طَالَمَا قَدْ مَدَّتْ
وفي حديث عمر رضي الله عنه: لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة المراد تنكير الأمر، كأنه قيل: إن ما صنعوا كيد سحري. وفي سعي دنيوي. وأمر دنيوي وأخروي { حَيْثُ أَتَىٰ } كقولهم: حيث سير، وأية سلك، وأينما كان.