{ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا } أي وعظوا: سجدوا تواضعاً لله وخشوعاً، وشكراً على ما رزقهم من الإسلام { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } ونزهوا الله من نسبة القبائح إليه، وأثنوا عليه حامدين له { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } كما يفعل من يصر مستكبراً كأن لم يسمعها، ومثله قوله تعالى:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا } [الإسراء: 107]. { تَتَجَافَىٰ } ترتفع وتتنحى { عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } عن الفرش ومواضع النوم، داعين ربهم عابدين له؛ لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته، وهم المتهجدون. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها: (864)
"قيام العبد من الليل" وعن الحسن رضي الله عنه: أنه التهجد. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (865)
"إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم. ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؛ فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون الله في البأساء والضراء، فيقومون وهم قليل، فيسرحون جميعاً إلى الجنة، ثم يحاسب سائر الناس" . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة. فنزلت فيهم. وقيل: هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها { مَّآ أُخْفِىَ لَهُم } على البناء للمفعول. ما أخفى لهم على البناء للفاعل، وهو الله سبحانه، وما أخفى لهم. وما نخفي لهم. وما أخفيت لهم: الثلاثة للمتكلم، وهو الله سبحانه. وما: بمعنى الذي، أو بمعنى أي. وقرىء: «من قرّة أعين» «وقرات أعين». والمعنى: لا تعلم النفوس - كلهنّ ولا نفس واحدة منهنّ لا ملك مقرب ولا نبيّ مرسل - أيّ نوع عظيم من الثواب ادخر الله لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو مما تقربه عيونهم، ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها، ثم قال: { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فحسم أطماع المتمنين، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: (866)
"يقولُ اللَّهُ تعالَى: أعددتُ لعبادِي الصالحينَ ما لاَ عينُ رأتْ ولا أذنَ سمعَت ولا خطر على قلبِ بشرٍ، بَلْهَ ما أطلعتُهم عليهِ. اقرؤُوا إن شئتمُ: فلا تعلمُ نفسُ ما أخفيَ لهمُ منْ قرةِ أعينٍ" وعن الحسن رضي الله عنه: أخفى القوم أعمالاً في الدنيا، فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.