خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ
٣٠
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
٣١
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ
٣٢
-الزمر

كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته، فأخبر أن الموت يعمهم، فلا معنى للتربص، وشماتة الباقي بالفاني. وعن قتادة: نعى إلى نبيه نفسه، ونعى إليكم أنفسكم. وقرىء: «مائت ومائتون» والفرق بين الميت والمائت: أنّ الميت صفة لازمة كالسيد. وأما المائت، فصفة حادثة تقول: زيد مائت غداً، كما تقول: سائد غداً، أي سيموت وسيسود. وإذا قلت: زيد ميت، فكما تقول: حي في نقيضه، فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت. والمعنى في قوله: { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } إنك وإياهم، وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى؛ لأنّ ما هو كائن فكأن قد كان { ثُمَّ إِنَّكُمْ } ثم إنك وإياهم، فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب { تَخْتَصِمُونَ } فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، فاجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد، ويعتذرون بما لا طائل تحته، تقول الأتباع: أطعنا سادتنا وكبراءنا، وتقول السادات: أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون؛ وقد حمل على اختصام الجميع وأنّ الكفار يخاصم بعضهم بعضاً، حتى يقال لهم: { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } [قۤ: 28] والمؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام. قال عبد الله بن عمر:

(967) لقد عشنا برهة من دهرنا وديننا ونحن نرى أنّ هذه الآية أنزلت فينا وفي أهل الكتاب؟ قلنا: كيف تختصم ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها أنزلت فينا. وقال أبو سعيد الخدري: كنا نقول: ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد، فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفّين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا: نعم هو هذا. وعن إبراهيم النخعي قالت الصحابة: ما خصومتنا ونحن إخوان؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومتنا. وعن أبي العالية: نزلت في أهل القبلة. والوجه الذي يدلّ عليه كلام الله هو ما قدمت أولاً. ألا ترى إلى قوله تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } وقوله تعالى: { وَٱلَّذِى جَاء بِٱلصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر: 33] وما هو إلا بيان وتفسير للذين يكون بينهم الخصومة { كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه { وَكَذَّبَ بِٱلصّدْقِ } بالأمر الذي هو الصدق بعينه، وهو ماء جاء به محمد صلى الله عليه وسلم { إِذْ جَاءهُ } فاجأه بالتكذيب لما سمع به من غير وقفة، لإعمال روية واهتمام بتمييز بين حق وباطل، كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون { مَثْوًى لّلْكَـٰفِرِينَ } أي: لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق، واللام في { لِلْكَـٰفِرِينَ } إشارة إليهم.