{ وَءَاثَاراً } قصورهم ومصانعهم. وقيل: مشيهم بأرجلهم لعظم أجرامهم { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } ما نافية أو مضمنة معنى الاستفهام، ومحلها النصب، والثانية: موصولة أو مصدرية ومحلها الرفع، يعني أي شيء أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } فيه وجوه: منها أنه أراد العلم الوارد على طريق التهكم في قوله تعالى:
{ { بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِى ٱلاْخِرَةِ } [النمل: 66]: وعلمهم في الآخرة أنهم كانوا يقولون: لا نبعث ولا نعذب، { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [فصلت: 50]، { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبّى لاجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً } [الكهف: 36] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به البينات وعلم الأنبياء، كما قال عزّ وجلّ: { { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [الروم: 32] ومنها: أن يريد علم الفلاسفة والدهريين من بني يونان، وكانوا إذ سمعوا بوحي الله: دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم. وعن سقراط: أنه سمع بموسى صلوات الله عليه وسلامه، وقيل له: لو هاجرت إليه فقال: نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا. ومنها: أن يوضع قوله { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } [غافر: 83] ولا علم عندهم البتة، موضع قوله: لم يفرحوا بما جاءهم من العلم، مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والمسرة، مع تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلماء. ومنها أن يراد: فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به، كأنه قال: استهزؤوا بالبينات وبما جاؤوا به من علم الوحي فرحين مرحين. ويدلّ عليه قوله تعالى: { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } ومنها: أن يجعل الفرح للرسل. ومعناه: أن الرسل لما رأوا جهلهم المتمادي واستهزائهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم: فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه. وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم. ويجوز أن يريد بما فرحوا به من العلم: علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى: { { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلاْخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ } [الروم: 7]، { { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } [النجم: 30] فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات - وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات - لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزؤا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به.