خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ
٧
يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٨
وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٩
مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٠
-الجاثية

الأفاك: الكذاب، والأثيم: المتبالغ في اقتراف الآثام { يُصِرُّ } يقبل على كفره ويقيم عليه. وأصله من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحى عليها صارّاً أذنيه { مُسْتَكْبِراً } عن الإيمان بالآيات والإذعان لما ينطق به من الحق، مزدرياً لها معجباً بما عنده. قيل: نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم، ويشغل الناس بها عن استماع القرآن. والآية عامّة في كل ما كان مضارّاً لدين الله. فإن قلت: ما معنى ثم في قوله: { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً }؟ قلت: كمعناه في قول القائل:

يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثُمَّ يَزُورُها

وذلك أنّ غمرات الموت حقيقة، بأن ينجو رائيها بنفسه ويطلب الفرار عنها. وأمّا زيارتها والإقدام على مزاولتها. فأمر مستبعد، فمعنى ثم: الإيذان بأن فعل المقدّم عليها بعدما رآها وعاينها؛ شيء يستعبد في العادات والطباع، وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق، من تليت عليه وسمعها: كان مستبعداً في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها { كَأَن } مخففة، والأصل كأنه لم يسمعها: والضمير ضمير الشأن، كما في قوله:

كَأَنْ ظَبْيَةً تعطو إِلَى نَاضِرِ السَّلَمْ

ومحل الجملة النصب على الحال. أي: يصر مثل غير السامع { وَإِذَا } بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها { ٱتَّخَذَهَا } أي اتخذ الآيات { هُزُواً } ولم يقل: اتخذه، للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم: خاض في الاستهزاء بجميع الآيات. ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، ويحتمل: وإذا علم من آياتنا شيئاً يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملاً يتسلق به على الطعن والغميزة: افترصه واتخذ آيات الله هزواً، وذلك نحو افتراص ابن الزبعري قوله عز وجل: { { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] ومغالطته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: خصتمك. ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء؛ لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية:

نَفْسِي بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا مُعَلَّقَةٌ أللَّهُ وَالْقَائِمُ الْمَهْدِيُّ يَكْفِيَهَا

حيث أراد عتبة. وقرىء: «علم أولئك» إشارة إلى كل أفاك أثيم، لشموله الأفاكين. والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام. قال:

أَلَيْسَ وَرَائِي أَنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي أَدِبُّ مَعَ الْوِلْدَانِ أَزْحَفُ كَالنَّسْرِ

ومنه قوله عز وجل: { مِّن وَرَائِهِمْ } أي من قدّامهم { مَّا كَسَبُواْ } من الأموال في رحلهم ومتاجرهم { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأوثان.