{ إِن } نافية، أي: فيما ما مكناكم فيه، إلا أنّ { إِن } أحسن في اللفظ؛ لما فيه مجامعة (ما) مثلها من التكرير المستبشع. ومثله مجتنب، ألا ترى أن الأصل في «مهما»: (ماما) فلبشاعة التكرير: قلبوا الألف هاء. ولقد أغث أبو الطيب في قوله:
لَعَمْرُكَ مامَا بَانَ مِنْكَ لِضَارِبِ
وما ضره لو اقتدى بعذوبة لفظ التنزيل فقال: لعمرك ما إن بان منك لضارب وقد جعلت إنْ صلة، مثلها فيما أنشده الأخفش:يُرَجّى الْمَرْءُ مَا إنْ لاَ يَرَاهُ وَتَعْرِضُ دُونَ أَدْنَاهُ الْخُطُوبُ
وتؤوّل بإنا مكناهم في مثل ما مكناكم فيه، والوجه هو الأوّل، ولقد جاء عليه غير آية في القرآن { { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } ، [مريم: 74] { كَانُواْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً } [غافر: 82] وهو أبلغ في التوبيخ، وأدخل في الحث على الاعتبار { مِّن شَىْءٍ } أي من شيء من الإغناء، وهو القليل منه. فإن قلت بم انتصب { إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ }؟ قلت: بقوله تعالى: { فَمَا أَغْنَىٰ }. فإن قلت: لم جرى مجرى التعليل؟ قلت: لاستواء مؤدى التعليل والظرف في قولك: ضريته لإساءته وضربته إذا أساء؛ لأنك إذا ضربته في وقت إساءته؛ فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه؛ إلا أن «إذ»، وحيث، غلبتا دون سائر الظروف في ذلك».