خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ
٨٧
وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ
٨٨
-المائدة

{ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } ما طاب ولذ من الحلال. ومعنى { لاَ تُحَرّمُواْ } لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم. أو لا تقولوا حرّمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهداً منكم وتقشفاً وروي:

(363) أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة يوماً لأصحابه، فبالغ وأشبع الكلام في الإنذار، فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون، واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين، وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك، ولا يقربوا النساء والطيب، ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ويسيحوا في الأرض، ويجبوا مذاكيرهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "إني لم أومر بذلك، إن لأنفسكم عليكم حقاً، فصوموا وأفطروا، وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" ونزلت. وروي:

(364) أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الدجاج والفالوذ، وكان يعجبه الحلواء والعسل. وقال: "إن المؤمن حلو يحب الحلاوة" ، وعن ابن مسعود أن رجلاً قال له: إني حرمت الفراش فتلا هذه الآية وقال: نم على فراشك وكفر عن يمينك. وعن الحسن أنه دعي إلى طعام ومعه فرقد السنجيّ وأصحابه، فقعدوا على المائدة وعليها الألوان من الدجاج المسمن والفالوذ وغير ذلك، فاعتزل فرقد ناحية، فسأل الحسن: أهو صائم؟ قالوا: لا، ولكنه يكره هذه الألوان. فأقبل الحسن عليه وقال: يا فريقد، أترى لعاب النحل بلباب البرّ بخالص السمن يعيبه مسلم. وعنه أنه قيل له. فلان لا يأكل الفالوذ ويقول: لا أؤدّي شكره. قال: أفيشرب الماء البارد؟ قالوا: نعم. قال: إنه جاهل، إن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذ. وعنه أن الله تعالى أدّب عباده فأحسن أدبهم. قال الله تعالى: { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ } [الطلاق: 7] ما عاب الله قوماً وسع عليهم الدنيا فتنعموا وأطاعوا، ولا عذر قوماً زواهاً عنهم فعصوه { وَلاَ تَعْتَدُواْ } ولا تتعدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرّم عليكم. أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات. أو جعل تحريم الطيبات اعتداء وظلماً، فنهى عن الاعتداء ليدخل تحته النهي عن تحريمها دخولاً أولياً لوروده على عقبه أو أراد ولا تعتدوا بذلك { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } أي من الوجوه الطيبة التي تسمى رزقاً { حَلَـٰلاً } حال مما رزقكم الله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تأكيد للتوصية بما أمر به. وزاده تأكيداً بقوله: { ٱلَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } لأنّ الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما أمر به وعما نهى عنه.