{ أَخَـٰهُمْ } واحداً منهم من قولك: يا أخا العرب للواحد منهم. وإنما جعل واحداً منهم، لأنهم أفهم عن رجل منهم وأعرف بحاله في صدقه وأمانته، وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وأخاهم: عطف على نوحاً. و { هُودًا } عطف بيان له. فإن قلت: لم حذف العاطف من قوله: { قَالَ يَٰقَوْمِ } ولم يقل «فقال» كما في قصة نوح؟ قلت: هو على تقدير سؤال سائل قال: فما قال لهم هود؟ فقيل: قال يا قوم اعبدوا الله، وكذلك { قَالَ ٱلْمَلاَ }. فإن قلت: لم وصف الملأ [بـ] { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } دون الملأ من قوم نوح؟ قلت: كان في أشراف قوم هود من آمن به، منهم مرثد بن سعد الذي أسلم وكان يكتم إسلامه فأريدت التفرقة بالوصف ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن. ونحوه قوله تعالى:
{ وَقَالَ ٱلْمَلأ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱلآخِرَةِ } [المؤمنون: 33] ويجوز أن يكون وصفاً وارداً للذمّ لا غير { فِي سَفَاهَةٍ } في خفة حلم وسخافة عقل، حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر، وجعلت السفاهة ظرفاً على طريق المجاز: أرادوا أنه متمكن فيها غير منفك عنها. وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام - من نسبهم إلى الضلال والسفاهة، بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة بما قالوا لهم مع علمهم بأنّ خصومهم أضلّ الناس وأسفههم - أدب حسن وخلق عظيم، وحكاية الله عزّ وجلّ ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم { نَاصِحٌ أَمِينٌ } أي عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة فما حقي أن أُتهم. أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه { خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } أي[ خلفتموهم] في الأرض، أو جعلكم ملوكاً في الأرض قد استخلفكم فيها بعدهم { فِى ٱلْخَلْقِ بَسْطَةً } فيما خلق من أجرامكم ذهاباً في الطول والبدانة. قيل: كان أقصرهم ستين ذراعاً، وأطولهم مائة ذراع { فَٱذْكُرُواْ ءالآء ٱللَّهِ } في استخلافكم وبسطة أجرامكم وما سواهما من عطاياه. وواحد الآلاء «إلى» نحو إني وإناء، وضلع وأضلاع، وعنب وأعناب. فإن قلت: «إذ» في قوله: { إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء } ما وجه انتصابه؟ قلت: هو مفعول به وليس بظرف، أي اذكروا وقت استخلافكم.