خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٤٩
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ
٥٠
-الحجر

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

في الآية مسألتان:

المسألة الأولى: أثبتت الهمزة الساكنة في (نبىء) صورة، وما أثبتت في قوله: { دِفْء } { وجزء } لأن ما قبلها ساكن فهي تحذف كثيراً وتلقى حركتها على الساكن قبلها، فـ(ـنبىء) في الخط على تحقيق الهمزة، وليس قبل همزة (نبىء) ساكن فاجرؤها على قياس الأصل:

المسألة الثانية: اعلم أن عباد الله قسمان: منهم من يكون متقياً، ومنهم من لا يكون كذلك، فلما ذكر الله تعالى أحوال المتقين في الآية المتقدمة، ذكر أحوال غير المتقين في هذه الآية فقال: { نَبّىء عِبَادِى }.

واعلم أنه ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، فههنا وصفهم بكونهم عباداً له، ثم أثبت عقيب ذكر هذا الوصف الحكم بكونه غفوراً رحيماً، فهذا يدل على أن كل من اعترف بالعبودية ظهر في حقه كونه الله غفوراً رحيماً ومن أنكر ذلك كان مستوجباً للعقاب الأليم. وفي الآية لطائف: أحدها: أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله: { عِبَادِي } وهذا تشريف عظيم. ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لم يزد على قوله: { { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } [الإسراء: 1]. وثانيها: أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة: أولها: قوله: { أَنّى }. وثانيها: قوله: { أَنَاْ }. وثالثها: ادخال حرف الألف واللام على قوله: { ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ولما ذكر العذاب لم يقل أني أنا المعذب وما وصف نفسه بذلك بل قال: { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ }. وثالثها: أنه أمر رسوله أن يبلغ إليهم هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة. ورابعها: أنه لما قال: { نَبّىء عِبَادِي } كان معناه نبىء كل من كان معترفاً بعبوديتي، وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع، فكذلك يدخل فيه المؤمن العاصي، وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله تعالى. وعن قتادة قال: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو يعلم العبد قدر عفو الله تعالى ما تورع من حرام، ولو علم قدر عقابه لبخع نفسه " أي قتلها وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بنفر من أصحابه، وهم يضحكون فقال: " أتضحكون والنار بين أيديكم " فنزل قوله: { نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }، والله أعلم.