خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
٨٩
-النحل

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن هذا نوع آخر من التهديدات المانعة للمكلفين عن المعاصي. واعلم أن الأمة عبارة عن القرن والجماعة.

إذا ثبت هذا فنقول: في الآية قولان: الأول: أن المراد أن كل نبي شاهد على أمته. والثاني: أن كل جمع وقرن يحصل في الدنيا فلا بد وأن يحصل فيهم واحد يكون شهيداً عليهم. أما الشهيد على الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الرسول بدليل قوله تعالى: { { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة: 143] وثبت أيضاً أنه لا بد في كل زمان بعد زمان الرسول من الشهيد فحصل من هذا أن عصراً من الإعصار لا يخلو من شهيد على الناس وذلك الشهيد لا بد وأن يكون غير جائز الخطأ، وإلا لافتقر إلى شهيد آخر ويمتد ذلك إلى غير النهاية وذلك باطل، فثبت أنه لا بد في كل عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم وذلك يقتضي أن يكون إجماع الأمة حجة. قال أبو بكر الأصم: المراد بذلك الشهيد هو أنه تعالى ينطق عشرة من أعضاء الإنسان حتى أنها تشهد عليه وهي: الأذنان والعينان والرجلان واليدان والجلد واللسان. قال: والدليل عليه أنه قال في صفة الشهيد أنه من أنفسهم وهذه الأعضاء لا شك أنها من أنفسهم.

أجاب القاضي عنه من وجوه: الأول: أنه تعالى قال: { شَهِيدًا عَلَيْهِمْ } أي على الأمة فيجب أن يكون غيرهم. الثاني: أنه قال: { مِن كُلّ أمَّةٍ } فوجب أن يكون ذلك الشهيد من الأمة وآحاد الأعضاء لا يصح وصفها بأنها من الأمة، وأما حمل هؤلاء الشهداء على الأنبياء فبعيد، وذلك لأن كونهم أنبياء مبعوثين إلى الخلق أمر معلوم بالضرورة فلا فائدة في حمل هذه الآية عليه.

ثم قال تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَىْءٍ } وفيه مسائل:

المسألة الأولى: وجه تعلق هذا الكلام بما قبله أنه تعالى لما قال: { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلآء } بين أنه أزاح علتهم فيما كلفوا فلا حجة لهم ولا معذرة.

المسألة الثانية: من الناس من قال: القرآن تبيان لكل شيء وذلك لأن العلوم إما دينية أو غير دينية، أما العلوم التي ليست دينية فلا تعلق لها بهذه الآية، لأن من المعلوم بالضرورة أن الله تعالى إنما مدح القرآن بكونه مشتملاً على علوم الدين فأما ما لا يكون من علوم الدين فلا التفات إليه، وأما علوم الدين فإما الأصول، وإما الفروع، أما علم الأصول فهو بتمامه موجود في القرآن وأما علم الفروع فالأصل براءة الذمة إلا ما ورد على سبيل التفصيل في هذا الكتاب، وذلك يدل على أنه لا تكليف من الله تعالى إلا ما ورد في هذا القرآن، وإذا كان كذلك كان القول بالقياس باطلاً، وكان القرآن وافياً ببيان كل الأحكام، وأما الفقهاء فإنهم قالوا: القرآن إنما كان تبياناً لكل شيء، لأنه يدل على أن الإجماع وخبر الواحد والقياس حجة، فإذا ثبت حكم من الأحكام بأحد هذه الأصول كان ذلك الحكم ثابتاً بالقرآن، وهذه المسألة قد سبق ذكرها بالاستقصاء في سورة الأعراف، والله أعلم.

المسألة الثالثة: روى الواحدي بإسناده عن الزجاج أنه قال: تبياناً في معنى اسم البيان ومثل التبيان التلقاء، وروى ثعلب عن الكوفيين، والمبرد عن البصريين أنهم قالوا: لم يأت من المصادر على تفعال إلا حرفان تبياناً وتلقاء، وإذا تركت هذين اللفظين استوى لك القياس فقلت: في كل مصدر تفعال بفتح التاء مثل تسيار وتذكار وتكرار، وقلت: في كل اسم تفعال بكسر التاء مثل تقصار وتمثال.