خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً
١٠٢
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً
١٠٣
ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً
١٠٤
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً
١٠٥
ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً
١٠٦
-الكهف

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما بين من حال الكافرين أنهم أعرضوا عن الذكر وعن استماع ما جاء به الرسول أتبعه بقوله: { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَاء } والمراد أفظنوا أنهم ينتفعون بما عبدوه مع إعراضهم عن تدبر الآيات وتمردهم عن قبول أمره وأمر رسوله وهو استفهام على سبيل التوبيخ.

المسألة الثانية: قرأ أبو بكر ولم يرفعه إلى عاصم: { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بسكون السين ورفع الباء. وهي من الأحرف التي خالف فيها عاصماً، وذكر أنه قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلى هذا التقدير فقوله: حسب مبتدأ، أن يتخذوا خبر، والمعنى أفكافيهم وحسبهم أن يتخذوا كذا وكذا، وأما الباقون فقرأوا فحسب على لفظ الماضي، وعلى هذا التقدير ففيه حذف والمعنى: أفحسب الذين كفروا اتخاذ عبادي أولياء نافعاً.

المسألة الثالثة: في العباد أقوال قيل: أراد عيسى والملائكة، وقيل: هم الشياطين يوالونهم ويطيعونهم، وقيل: هي الأصنام سماهم عباداً كقوله: { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }، ثم قال تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ نُزُلاً } وفي النزل قولان: الأول: قال الزجاج إنه المأوى والمنزل. والثاني: أنه الذي يقام للنزيل وهو الضيف، ونظيره قوله: { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ثم ذكر تعالى ما نبه به على جهل القوم فقال: { قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَـٰلاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } قيل إنهم هم الرهبان كقوله تعالى: { { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } [الغاشية: 3]وعن مجاهد أهل الكتاب وعن علي أن ابن الكواء سأله عنهم فقال: هم أهل حروراء والأصل أن يقال هو الذي يأتي بالأعمال يظنها طاعات وهي في أنفسها معاصي وإن كانت طاعات لكنها لا تقبل منهم لأجل كفرهم فأولئك إنما أتوا بتلك الأعمال لرجاء الثواب، وإنما أتبعوا أنفسهم فيها لطلب الأجر والفوز يوم القيامة فإذا لم يفوزوا بمطالبهم بين أنهم كانوا ضالين، ثم إنه تعالى بين صنعهم فقال: { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: لقاء الله عبارة عن رؤيته بدليل أنه يقال: لقيت فلاناً أي رأيته، فإن قيل: اللقاء عبارة عن الوصول، قال تعالى: { { فَالْتَقَى ٱلمَاء عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القمر: 12] وذلك في حق الله تعالى محال، فوجب حمله على لقاء ثواب الله، والجواب أن لفظ اللقاء، وإن كان في الأصل عبارة عن الوصول والملاقاة إلا أن استعماله في الرؤية مجاز ظاهر مشهور، والذي يقولونه من أن المراد منه لقاء ثواب الله فهو لا يتم إلا بالإضمار، ومن المعلوم أن حمل اللفظ على المجاز المتعارف المشهور أولى من حمله على ما يحتاج معه إلى الإضمار.

المسألة الثانية: استدلت المعتزلة بقوله تعالى: { فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } على أن القول بالإحباط والتكفير حق، وهذه المسألة قد ذكرناها بالاستقصاء في سورة البقرة فلا نعيدها، ثم قال تعالى: { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً } وفيه وجوه. الأول: أنا نزدري بهم وليس لهم عندنا وزن ومقدار. الثاني: لا نقيم لهم ميزاناً لأن الميزان إنما يوضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين لتمييز مقدار الطاعات ومقدار السيئات. الثالث: قال القاضي: إن من غلبت معاصيه صار ما في فعله من الطاعة كأن لم يكن فلا يدخل في الوزن شيء من طاعته. وهذا التفسير بناء على قوله بالإحباط والتكفير، ثم قال تعالى: { ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ } فقوله: { ذٰلِكَ } أي ذلك الذي ذكرناه وفصلناه من أنواع الوعيد هو جزاؤهم على أعمالهم الباطلة، وقوله: { جَهَنَّمَ } عطف بيان لقوله: { جَزَآؤُهُمْ } ثم بين تعالى أن ذلك الجزاء جزاء على مجموع أمرين: أحدهما: كفرهم. الثاني: أنهم أضافوا إلى الكفر أن اتخذوا آيات الله واتخذوا رسله هزواً، فلم يقتصروا على الرد عليهم وتكذيبهم حتى استهزأوا بهم.