خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٩٣
-البقرة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن في الإعادة وجوهاً: أحدها: أن التكرار في هذا وأمثاله للتأكيد وإيجاب الحجة على الخصم على عادة العرب، وثانيها: أنه إنما ذكر ذلك مع زيادة وهي قولهم: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } وذلك يدل على نهاية لجاجهم.

أما قوله تعالى: { قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } ففيه مسائل:

المسألة الأولى: أن إظلال الجبل لاشك أنه من أعظم المخوفات ومع ذلك فقد أصروا على كفرهم وصرحوا بقولهم { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } وهذا يدل على أن التخويف وإن عظم لا يوجب الانقياد.

المسألة الثانية: الأكثرون من المفسرين اعترفوا بأنهم قالوا هذا القول، قال أبو مسلم: وجائز أن يكون المعنى سمعوه فتلقوه بالعصيان فعبر عن ذلك بالقول وإن لم يقولوه كقوله تعالى: { { أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [البقرة: 177] وكقوله: { { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فصلت: 11] والأول أولى لأن صرف الكلام عن ظاهره بغير الدليل لا يجوز.

أما قوله تعالى: { وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } ففيه مسائل:

المسألة الأولى: واشربوا في قلوبهم حب العجل، وفي وجه هذا الاستعارة وجهان، الأول: معناه تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب، وقوله: { فِى قُلُوبِهِمْ } بيان لمكان الإشراف كقوله: { { وَإِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } [النساء: 10]. الثاني: كما أن الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض فكذا تلك المحبة كانت مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال.

المسألة الثانية: قوله: { وَٱشْرِبُواْ } يدل على أن فاعلاً غيرهم فعل بهم ذلك، ومعلوم أنه لا يقدر عليه سوى الله، أجابت المعتزلة عنه من وجهين: الأول: ما أراد الله أن غيرهم فعل بهم ذلك لكنهم لفرط ولوعهم وإلفهم بعبادته أشربوا قلوبهم حبه فذكر ذلك على ما لم يسم فاعله كما يقال فلان: معجب بنفسه، الثاني: أن المراد من أَشْرب أي زَيَّنه عندهم ودعاهم إليه كالسامري وإبليس وشياطين الإنس والجن. أجاب الأصحاب عن الوجهين بأن كلا الوجهين صرف اللفظ عن ظاهره وذلك لا يجوز المصير إليه إلا لدليل منفصل، ولما أقمنا الدلائل العقلية القطعية على أن محدث كل الأشياء هو الله لم يكن بنا حاجة إلى ترك هذا الظاهر.

أما قوله تعالى: { بِكُفْرِهِمْ } فالمراد باعتقادهم التشبيه على الله وتجويزهم العبادة لغيره سبحانه وتعالى.

أما قوله: { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَـٰنُكُمْ } ففيه مسألتان:

المسألة الأولى: المراد بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العجل وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما قال في قصة شعيب: { { أَصلاتُكَ تَأْمُرُكَ } [هود: 87] وكذلك إضافة الإيمان إليهم.

المسألة الثانية: الإيمان عرض ولا يصح منه الأمر والنهي لكن الداعي إلى الفعل قد يشبه بالآمر كقوله تعالى: { { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [العنكبوت: 45].

أما قوله تعالى: { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فالمراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم.