خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ
٨
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ
٩
لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٠
-الأنبياء

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أنه تعالى أجاب عن سؤالهم الأول وهو قولهم: { { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } [المؤمنون: 33] بقوله: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ } فبين أن هذه عادة الله تعالى في الرسل من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولم يمنع ذلك من كونهم رسلاً للآيات التي ظهرت عليهم فإذا صح ذلك فيهم فقد ظهر على محمد مثل آياتهم فلا مقال عليه في كونه بشراً فأما قوله تعالى: { فَاسْئَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ } فالمعنى أنه تعالى أمرهم أن يسألوا أهل الذكر وهم أهل الكتاب حتى يعلموهم أن رسل الله الموحى إليهم كانوا بشراً ولم يكونوا ملائكة، وإنما أحالهم على هؤلاء لأنهم كانوا يتابعون المشركين في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: { { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } [آل عمران: 186] فإن قيل إذا لم يوثق باليهود والنصارى، فكيف يجوز أن يأمرهم بأن يسألوهم عن الرسل قلنا: إذا تواتر خبرهم وبلغ حد الضرورة جاز ذلك، كما قد يعمل بخبر الكفار إذا تواتر، مثل ما يعمل بخبر المؤمنين. ومن الناس من قال: المراد بأهل الذكر أهل القرآن وهو بعيد لأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي الرسول صلى الله عليه وسلم فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للعامي أن يرجع إلى فتيا العلماء وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر فبعيد لأن هذه الآية خطاب مشافة وهي واردة في هذه الواقعة المخصوصة ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين. ثم بين تعالى أنه لم يجعل الرسل قبله جسداً لا يأكلون الطعام وفيه أبحاث:

البحث الأول: قوله: { لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } صفة جسد والمعنى وما جعلنا الأنبياء ذوي جسد غير طاعمين.

البحث الثاني: وحد الجسد لإرادة الجنس كأنه قال ذوي ضرب من الأجساد.

البحث الثالث: أنهم كانوا يقولون: { { مَا لِهَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِى ٱلأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } [الفرقان: 7] فأجاب الله بقوله: { وَمَا جَعَلْنَـٰهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } فبين تعالى أن هذه عادة الله في الرسل من قبل وأنه لم يجعلهم جسداً لا يأكلون بل جسداً يأكلون الطعام ولا يخلدون في الدنيا بل يموتون كغيرهم، ونبه بذلك على أن الذي صاروا به رسلاً غير ذلك وهو ظهور المعجزات على أيديهم وبراءتهم عن الصفات القادحة في التبليغ، أما قوله تعالى: { ثُمَّ صَدَقْنَـٰهُمُ ٱلْوَعْدَ } فقال صاحب «الكشاف»: هو مثل قوله: { { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً } [الأعراف: 155] والأصل في الوعد ومن قومه ومنه صدقوهم المقال: { وَمَن نَّشَاءُ } هم المؤمنون، قال المفسرون: المراد منه أنه تقدم وعده جل جلاله بأنه إنما يهلك بعذاب الاستئصال من كذب الرسل دون نفس الرسل ودون من صدق بهم، وجعل الوفاء بما وعد صدقاً من حيث يكشف عن الصدق ومعنى: { وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } أي بعذاب الاستئصال وليس المراد عذاب الآخرة لأنه إخبار عما مضى وتقدم، ثم بين تعالى بقوله: { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } عظيم نعمته عليهم بالقرآن في الدين والدنيا، فلذلك قال فيه: { ذِكْرُكُمْ } وفيه ثلاثة أوجه: أحدها؛ ذكر شرفكم وصيتكم، كما قال: { { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44]. وثانيها: المراد فيه تذكرة لكم لتحذروا ما لا يحل وترغبوا فيما يجب، ويكون المراد بالذكر الوعد والوعيد، كما قال: { { وَذَكّرْ فَإِنَّ ٱلذّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55]. وثالثها: المراد ذكر دينكم ما يلزم وما لا يلزم لتفوزوا بالجنة إذا تمسكتم به وكل ذلك محتمل، وقوله: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } كالبعث على التدبر في القرآن لأنهم كانوا غفلاء لأن الخوض من لوازم الغفلة والتدبر دافع لذلك الخوض ودفع الضرر عن النفس من لوازم الفعل فمن لم يتدبر فكأنه خرج عن العقل.