خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً
٥٣
-الفرقان

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن هذا هو النوع الرابع من دلائل التوحيد وقوله: { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي خلاهما وأرسلهما يقال: مرجت الدابة إذا خليتها ترعى، وأصل المرج الإرسال والخلط، ومنه قوله تعالى: { { فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ق: 5] سمى الماءين الكبيرين الواسعين بحرين. قال ابن عباس: مرج البحرين، أي أرسلهما في مجاريهما كما ترسل الخيل في المرج وهما يلتقيان، وقوله: { هَـٰذَا عَذَبٌ فُرَاتٌ } والمقصود من الفرات البليغ في العذوبة حتى (يصير) إلى الحلاوة، والأجاج نقيضه، وأنه سبحانه بقدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج، وجعل من عظيم اقتداره برزخاً حائلاً من قدرته، وههنا سؤالات:

السؤال الأول: ما معنى قوله: { وَحِجْراً مَّحْجُوراً }؟ الجواب: هي الكلمة التي يقولها المتعوذ وقد فسرناها، وهي ههنا واقعة على سبيل المجاز، كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول له حجراً محجوراً، كما قال: { { لاَّ يَبْغِيَانِ } [الرحمٰن: 20] أي لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة فانتفاء البغي (ثمة) كالتعوذ، وههنا جعل كل واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه، فهو يتعوذ منه وهي من أحسن الاستعارات.

السؤال الثاني: لا وجود للبحر العذب، فكيف ذكره الله تعالى ههنا؟ لا يقال: هذا مدفوع من وجهين: الأول: أن المراد منه الأودية العظام كالنيل وجيحون الثاني: لعله جعل في البحار موضعاً يكون أحد جانبيه عذباً والآخر ملحاً، لأنا نقول: أما الأول فضعيف لأن هذه الأودية ليس فيها ملح، والبحار ليس فيها ماء عذب، فلم يحصل ألبتة موضع التعجب وأما الثاني فضعيف، لأن موضع الاستدلال لا بد وأن يكون معلوماً، فأما بمحض التجويز فلا يحسن الاستدلال، لأنا نقول المراد من البحر العذب هذه الأودية، ومن الأجاج البحار الكبار، وجعل بينهما برزخاً، أي حائلاً من الأرض، ووجه الاستدلال ههنا بين، لأن العذوبة والملوحة إن كانت بسبب طبيعة الأرض أو الماء، فلا بد من الاستواء، وإن لم يكن كذلك فلا بد من قادر حكيم يخص كل واحد من الأجسام بصفة خاصة معينة.