خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
١٢
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ
١٣
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ
١٤
-الشعراء

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أن الله تعالى لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى قوم فرعون، طلب موسى عليه السلام أن يبعث معه هرون إليهم، ثم ذكر الأمور الداعية له إلى ذلك السؤال وحاصلها أنه لو لم يكن هرون، لاختلت المصلحة المطلوبة من بعثة موسى عليه السلام، وذلك من وجهين: الأول: أن فرعون ربما كذبه، والتكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة، لأن عند ضيق القلب تنقبض الروح والحرارة الغريزية إلى باطن القلب، وإذا انقبضا إلى الداخل وخلا منهما الخارج ازدادت الحبسة في اللسان، فالتأذي من التكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب للحبسة، فلهذا السبب بدأ بخوف التكذيب، ثم ثنى بضيق الصدر، ثم ثلث بعدم انطلاق اللسان. وأما هرون فهو أفصح لساناً مني وليس في حقه هذا المعنى، فكان إرساله لائقاً الثاني: أن لهم عندي ذنباً فأخاف أن يبادروا إلى قتلي، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة. وأما هرون فليس كذلك فيحصل المقصود من البعثة.

المسألة الثانية: قرىء (يضيق) و (ينطلق) بالرفع، لأنهما معطوفان على خبر (أن)، وبالنصب لعطفهما على صلة أن، والمعنى: أخاف أن يكذبون، وأخاف أن يضيق صدري، وأخاف أن لا ينطلق لساني، والفرق أن الرفع يفيد ثلاث علل في طلب إرسال هرون، والنصب يفيد علة واحدة، وهي الخوف من هذه الأمور الثلاثة، فإن قلت: الخوف غم يحصل لتوقع مكروه سيقع وعدم انطلاق اللسان كان حاصلاً، فكيف جاز تعلق الخوف به؟ قلت: قد بينا أن التكذيب الذي سيقع يوجب ضيق القلب، وضيق القلب يوجب زيادة الاحتباس، فتلك الزيادة ما كانت حاصلة في الحال بل كانت متوقعة، فجاز تعليق الخوف عليها.

أما قوله تعالى: { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ } فليس في الظاهر ذكر من الذي يرسل إليه، وفي الخبر أن الله تعالى أرسل موسى عليه السلام إليه، قال السدي: إن موسى عليه السلام سار بأهله إلى مصر والتقى بهرون وهو لا يعرفه، فقال أنا موسى، فتعارفا وأمره أن ينطلق معه إلى فرعون لأداء الرسالة، فصاحت أمهما لخوفهما عليهما فذهبا إليه، ويحتمل أن يكون المراد أرسل إليه جبريل، لأن رسول الله إلى الأنبياء جبريل عليه السلام، فلما كان هو متعيناً لهذا الأمر حذف ذكره لكونه معلوماً، وأيضاً ليس في الظاهر أنه يرسل لماذا، لكن فحوى الكلام يدل على أنه طلبه للمعونة فيما سأل، كما يقال إذا نابتك نائبة، فأرسل إلى فلان أي ليعينك فيها وليس في الظاهر أنه التمس كون هرون نبياً معه، لكن قوله: { فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } يدل عليه.

أما قوله: { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } فأراد بالذنب قتله القبطي، وقد ذكر الله تعالى هذه القصة مشروحة في سورة القصص.

واعلم أنه ليس في التماس موسى عليه السلام، أن يضم إليه هرون ما يدل على أنه استعفى من الذهاب إلى فرعون بل مقصوده فيما سأل أن يقع ذلك الذهاب على أقوى الوجوه في الوصول إلى المراد، واختلفوا فقال بعضهم إنه وإن كان نبياً فهو غير عالم بأنه يبقى حتى يؤدي الرسالة لأنه إنما أمر بذلك بشرط التمكين، وهذا قول الكعبي وغيره من البغداديين لأنهم يجوزون دخول الشرط في تكليف الله تعالى العبد، والذي ذهب إليه الأكثرون أن ذلك لا يجوز لأنه تعالى إذا أمر فهو عالم بما يتمكن منه المأمور وبأوقات تمكنه، فإذا علم أنه غير متمكن منه فإنه لا يأمره به، وإذا صح ذلك فالأقرب في الأنبياء أنهم يعلمون إذا حملهم الله تعالى الرسالة أنه تعالى يمكنهم من أدائها وأنهم سيبقون إلى ذلك الوقت، ومثل ذلك لا يكون إغراء في الأنبياء وإن جاز أن يكون إغراء في غيرهم.

المسألة الثالثة: لقائل أن يقول قول موسى عليه السلام: { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } هل يدل على صدور الذنب منه؟ جوابه: لا والمراد لهم عليَّ ذنب في زعمهم.