خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٠
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١١
-القصص

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ذكروا في قوله: { فُؤَادُ أُمّ مُوسَىٰ فَارِغاً } وجوهاً: أحدها: قال الحسن فارغاً من كل هم إلا من هم موسى عليه السلام وثانيها: قال أبو مسلم فراغ الفؤاد هو الخوف والإشفاق كقوله: { { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } [إبراهيم: 43]، وثالثها: قال صاحب «الكشاف» فارغاً صفراً من العقل، والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والخوف ورابعها: قال الحسن ومحمد بن إسحق فارغاً من الوحي الذي أوحينا إليها أن ألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك فجاءها الشيطان فقال لها كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجر فتوليت إهلاكه، ولما أتاها خبر موسى عليه السلام أنه وقع في يد فرعون فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها، وخامسها: قال أبو عبيدة: فارغاً من الحزن لعلمها بأنه لا يقتل اعتماداً على تكفل الله بمصلحته قال ابن قتيبة: وهذا من العجائب كيف يكون فؤادها فارغاً من الحزن والله تعالى يقول: { لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون، ويمكن أن يجاب عنه بأنه لا يمتنع أنها لشدة ثقتها بوعد الله لم تخف عند إظهار اسمه، وأيقنت أنها وإن أظهرت فإنه يسلم لأجل ذلك الوعد إلا أنه كان في المعلوم أن الإظهار يضر فربط الله على قلبها، ويحتمل قوله: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } بالوحي فأمنت وزال عن قلبها الحزن، فعلى هذا الوجه يصح أن يتأول على أن قلبها سلم من الحزن على موسى أصلاً، وفيه وجه ثالث: وهو أنها سمعت أن امرأة فرعون عطفت عليه وتبنته إن كادت لتبدي به بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحاً بما سمعت، لولا أن سكنا ما بها من شدة الفرح والابتهاج { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الواثقين بوعد الله تعالى لا يتبنى امرأة فرعون اللعين وبعطفها، وقرىء (قرعاً) أي خالياً من قولهم أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء وفرغاً من قولهم: دماؤهم بينهم فرغ أي هدر يعني بطل قلبها من شدة ما ورد عليها.

أما قوله: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } فاعلم أن على قول من فسر الفراغ بالفراغ من الحزن، قد ذكرنا تفسير قوله: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى } وأما على قول من فسر الفراغ بحصول الخوف فذكروا وجوهاً: أحدها: قال ابن عباس كادت تخبر بأن الذي وجدتموه ابني، وقال في رواية عكرمة كادت تقول واإبناه من شدة وجدها به وذلك حين رأت الموج يرفع ويضع، وقال الكلبي ذلك حين سمعت الناس يقولون إنه ابن فرعون وقال السدي لما أخذ ابنها كادت تقول هو ابني فعصمها الله تعالى، ثم قال: { لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } بإلهام الصبر كما يربط على الشيء المتفلت ليستقر ويطمئن { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من المصدقين بوعد الله وهو قوله: { { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } [القصص: 7].

أما قوله: { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصّيهِ } أي اتبعي أثره وانظري إلى أين وقع وإلى من صار وكانت أخته لأبيه وأمه واسمها مريم { فَبَصُرَتْ بِهِ } قال ابن عباس رضي الله عنهما أبصرته، قال المبرد: أبصرته وبصرت به بمعنى واحد وقوله: { عَن جُنُبٍ } أي عن بعد وقرىء عن جانب وعن جنب والجنب الجانب أي نظرت نظرة مزورة متجانبة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بحالها وغرضها.