خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ
٤٨
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ
٤٩
-العنكبوت

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ثم قال تعالى: { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَـٰبٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } هذه درجة أخرى بعد ما تقدم على الترتيب، وذلك لأن المجادل إذا ذكر مسألة مختلفاً فيها كقول القائل: الزكاة تجب في مال الصغير، فإذا قيل له لم؟ فيقول كما تجب النفقة في ماله، ولا يذكر أولا الجامع بينهما، فإن قنع الطالب بمجرد التشبيه وأدرك من نفسه الجامع فذاك، وإن لم يدرك أو لم يقنع يبدي الجامع، فيقول كلاهما مال فضل عن الحاجة فيجب فكذلك ههنا ذكر أولا التمثيل بقوله: { { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } [العنكبوت: 47] ثم ذكر الجامع وهو المعجزة، فقال ما علم كون تلك الكتب منزلة إلا بالمعجزة، وهذا القرآن ممن لم يكتب ولم يقرأ عين المعجزة، فيعرف كونه منزلاً، وقوله تعالى: { إِذاً لاَّرْتَـٰبَ ٱلْمُبْطِلُونَ } فيه معنى لطيف، وهو أن النبـي إذا كان قارئاً كاتباً ما كان يوجب كون هذا الكلام كلامه، فإن جميع كتبة الأرض وقرائها لا يقدرون عليه، لكن على ذلك التقدير يكون للمبطل وجه ارتياب، وعلى ما هو عليه لا وجه لارتيابه فهو أدخل في الإبطال وهذا كقوله تعالى: { { وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ } [البقرة: 23] أي من مثل محمد عليه السلام وكقوله: { { آلم * ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [البقرة: 1، 2].

ثم قال تعالى: { بَلْ هُوَ ءايَـٰتٌ بَيّنَـٰتٌ فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } قوله { في صدور الذين أوتوا العلم } إشارة إلى أنه ليس من مخترعات الآدميين، لأن من يكون له كلام مخترع يقول هذا من قلبـي وخاطري، وإذا حفظه من غيره يقول إنه في قلبـي وصدري، فإذا قال: { فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } لا يكون من صدر أحد منهم، والجاهل يستحيل منه ذلك ظهور له من الصدور ويلتحقون عنده هذه الأمة بالمشركين، فظهوره من الله.

ثم قال تعالى: { وَمَا يَجْحَدُ بِـئَايَـٰتِنَا إِلاَّ ٱلظَّـٰلِمُونَ } قال ههنا { الظالمون }، ومن قبل قال { الكافرون } [العنكبوت:47] مع أن الكافر ظالم ولا تنافي بين الكلامين وفيه فائدة، وهي أنهم قبل بيان المعجزة قيل لهم إن لكم المزايا فلا تبطلوها بإنكار محمد فتكونوا كافرين، فلفظ الكافر هناك كان بليغاً يمنعهم من ذلك لاستنكافهم عن الكفر، ثم بعد بيان المعجزة قال لهم إن جحدتم هذه الآية لزمكم إنكار إرسال الرسل فتلتحقون في أول الأمر بالمشركين حكماً، وتلتحقون عند هذه الآية بالمشركين حقيقة فتكونوا ظالمين، أي مشركين، كما بينا أن الشرك ظلم عظيم، فهذا اللفظ ههنا أبلغ وذلك اللفظ هناك أبلغ.