خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
٢٦
وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٧
-الروم

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

لما ذكر الآيات وكان مدلولها القدرة على الحشر التي هي الأصل الآخر، والوحدانية التي هي الأصل الأول، أشار إليها بقوله: { وَلَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني لا شريك له أصلاً لأن كل من في السموات وكل من في الأرض، ونفس السموات والأرض له وملكه، فكل له منقادون قانتون، والشريك يكون منازعاً مماثلاً، فلا شريك له أصلاً ثم ذكر المدلول الآخر، فقال تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أي في نظركم الإعادة أهون من الإبداء لأن من يفعل فعلاً أولاً يصعب عليه، ثم إذا فعل بعد ذلك مثله يكون أهون، وقيل المراد هو هين عليه كما قيل في قول القائل الله أكبر أي كبير، وقيل المراد هو أهون عليه أي الإعادة أهون على الخالق من الإبداء لأن في البدء يكون علقة ثم مضغة ثم لحماً ثم عظماً ثم يخلق بشراً ثم يخرج طفلاً يترعرع إلى غير ذلك فيصعب عليه ذلك كله، وأما في الإعادة فيخرج بشراً سوياً بكن فيكون أهون عليه، والوجه الأول أصح وعليه نتكلم فنقول هو أهون يحتمل أن يكون ذلك لأن في البدء خلق الأجزاء وتأليفها والإعادة تأليف ولا شك أن الأمر الواحد أهون من أمرين ولا يلزم من هذا أن يكون غيره فيه صعوبة، ولنبين هذا فنقول الهين هو ما لا يتعب فيه الفاعل، والأهون ما لا يتعب فيه الفاعل بالطريق الأولى، فإذا قال قائل إن الرجل القوي لا يتعب من نقل شعيرة من موضع إلى موضع وسلم السامع له ذلك، فإذا قال فكونه لا يتعب من نقل خردلة يكون ذلك كلاماً معقولاً مبقي على حقيقته.

ثم قال تعالى: { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي قولنا هو أهون عليه يفهم منه أمران أحدهما: هو ما يكون في الآخر تعب كما يقال إن نقل الخفيف أهون من نقل الثقيل والآخر: هو ما ذكرنا من الأولوية من غير لزوم تعب في الآخر فقوله: { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } إشارة إلى أن كونه أهون بالمعنى الثاني لا يفهم منه الأول وههنا فائدة ذكرها صاحب «الكشاف» وهي أن الله تعالى قال في موضع آخر: { { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } [مريم: 21] وقال ههنا: { وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } فقدم هناك كلمة على وأخرها هنا، وذلك لأن المعنى الذي قال هناك إنه هين هو خلق الولد من العجوز وأنه صعب على غيره وليس بهين إلا عليه فقال: { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } يعني لا على غيري، وأما ههنا المعنى الذي ذكر أنه أهون هو الإعادة والإعادة على كل مبدىء أهون فقال: وهو أهون عليه لا على سبيل الحصر، فالتقديم هناك كان للحصر، وقوله تعالى: { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } على الوجه الأول وهو قولنا أهون عليه بالنسبة إليكم له معنى وعلى الوجه الذي ذكرناه له معنى أما على الوجه الأول فلما قال: { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } وكان ذلك مثلاً مضروباً لمن في الأرض من الناس فيفيد ذلك أن له المثل الأعلى من أمثلة الناس وهم أهل الأرض ولا يفيد أن له المثل الأعلى من أمثلة الملائكة فقال: { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني هذا مثل مضروب لكم { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } من هذا المثل ومن كل مثل يضرب في السموات، وأما على الوجه الثاني فمعناه أن له المثل الأعلى أي فعله وإن شبهه بفعلكم ومثله به، لكن ذاته ليس كمثله شيء فله المثل الأعلى وهو منقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقيل المثل الأعلى أي الصفة العليا وهي لا إله إلا الله، وقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي كامل القدرة على الممكنات، شامل العلم بجميع الموجودات، فيعلم الأجزاء في الأمكنة ويقدر على جمعها وتأليفها.