خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً
٥٣
-الأحزاب

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ثم قال تعالى: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَـٰهُ }.

لما ذكر الله تعالى في النداء الثالث { { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً } [الأحزاب: 45] بياناً لحاله مع أمته العامة قال للمؤمنين في هذا النداء لا تدخلوا إرشاداً لهم وبياناً لحالهم مع النبـي عليه السلام من الاحترام ثم إن حال الأمة مع النبـي على وجهين أحدهما: في حال الخلوة والواجب هناك عدم إزعاجه وبين ذلك بقوله: { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ } وثانيهما: في الملأ والواجب هناك إظهار التعظيم كما قال تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } [الأحزاب: 56] وقوله: { إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَـٰهُ } أي لا تدخلوا بيوت النبـي إلى طعام إلا أن يؤذن لكم.

ثم قال تعالى: { ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيى من الحق ووإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله وولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً }.

لما بين من حال النبـي أنه داع إلى الله بقوله: { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ } قال ههنا لا تدخلوا إلا إذا دعيتم يعني كما أنكم ما دخلتم الدين إلا بدعائه فكذلك لا تدخلوا عليه إلا بعد دعائه وقوله: { غَيْرَ نَـٰظِرِينَ } منصوب على الحال. والعامل فيه على ما قاله الزمخشري لا تدخلوا قال وتقديره ولا تدخلوا بيوت النبـي إلا مأذونين غير ناظرين، وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: قوله: { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ } إما أن يكون فيه تقديم وتأخير تقديره ولا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم، فلا يكون منعاً من الدخول في غير وقت الطعام بغير الإذن، وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير فيكون معناه ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام فيكون الإذن مشروطاً بكونه إلى الطعام فإن لم يؤذن لكم إلى طعام فلا يجوز الدخول فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام لا يجوز، نقول المراد هو الثاني ليعم النهي عن الدخول، وأما قوله فلا يجوز إلا بالإذن الذي إلى طعام، نقول: قال الزمخشري الخطاب مع قوم كانوا يجيئون حين الطعام ويدخلون من غير إذن فمنعوا من الدخول في وقته بغير إذن، والأولى أن يقال المراد هو الثاني لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل وقوله: { إِلَىٰ طَعَامٍ } من باب التخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه، لا سيما إذا علم أن غيره مثله فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه جاز دخوله إلى غير طعامه بإذنه، فإن غير الطعام ممكن وجوده مع الطعام، فإن من الجائز أن يتكلم معه وقتما يدعوه إلى طعام ويستقضيه في حوائجه ويعلمه مما عنده من العلوم مع زيادة الإطعام، فإذا رضي بالكل فرضاه بالبعض أقرب إلى الفعل فيصير من باب { { فلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ } [الإسراء: 23] وقوله: { غَيْرَ نَـٰظِرِينَ } يعني أنتم لا تنتظروا وقت الطعام فإنه ربما لا يتهيأ.

المسألة الثانية: قوله تعالى: { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ } فيه لطيفة وهي أن العادة إذا قيل لمن كان يعتاد دخول دار من غير إذن لا تدخلها إلا بإذن يتأذى وينقطع بحيث لا يدخلها أصلاً لا بالدعاء ولا بالدعاء، فقال لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون بل كونوا طائعين سامعين إذا قيل لكم لا تدخلوا لا تدخلوا وإذا قيل لكم ادخلوا فادخلوا، وإناه قيل وقته وقيل استواؤه وقوله: { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ } يفيد الجواز وقوله: { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ } يفيد الوجود فقوله: { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ } ليس تأكيداً بل هو يفيد فائدة جديدة.

المسألة الثالثة: لا يشترط في الإذن التصريح به، بل إذا حصل العلم بالرضا جاز الدخول ولهذا قال: { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ } من غير بيان فاعل، فالآذن إن كان الله أو النبـي أو العقل المؤيد بالدليل جاز والنقل دال عليه حيث قال تعالى: { أَوْ صَدِيقِكُمْ } وحد الصداقة لما ذكرنا، فلو جاء أبو بكر وعلم أن لا مانع في بيت عائشة من بيوت النبـي عليه السلام من تكشف أو حضور غير محرم عندها أو علم خلو الدار من الأهل أو هي محتاجة إلى إطفاء حريق فيها أو غير ذلك، جاز الدخول.

المسألة الرابعة: قوله: { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ } كأن بعض الصحابة أطال المكث يوم وليمة النبـي عليه السلام في عرس زينب، والنبـي عليه السلام لم يقل له شيئاً، فوردت الآية جامعة لآداب، منها المنع من إطالة المكث في بيوت الناس، وفي معنى البيت موضع مباح اختاره شخص لعبادته أو اشتغاله بشغل فيأتيه أحد ويطيل المكث عنده، وقوله: { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } قال الزمخشري هو عطف على { غَيْرَ نَـٰظِرِينَ } مجرور، ويحتمل أن يكون منصوباً عطفاً على المعنى، فإن معنى قوله تعالى: { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } لا تدخلوها هاجمين، فعطف عليه { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ } ثم إن الله تعالى بين كون ذلك أدباً وكون النبـي حليماً بقوله: { إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق } إشارة إلى أن ذلك حق وأدب، وقوله كان إشارة إلى تحمل النبـي عليه السلام، ثم ذكر الله أدباً آخر وهو قوله: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىّ } لما منع الله الناس من دخول بيوت النبـي عليه السلام، وكان في ذلك تعذر الوصول إلى الماعون، بين أن ذلك غير ممنوع منه فليسأل وليطلب من وراء حجاب، وقوله { ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } يعني العين روزنة القلب، فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب. أما إن رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر، ثم إن الله تعالى لما علم المؤمنين الأدب أكده بما يحملهم على محافظته، فقال: { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } وكل ما منعتم عنه مؤذ فامتنعوا عنه، وقوله تعالى: { وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } قيل سبب نزوله أن بعض الناس قيل هو طلحة بن عبيد الله، قال لئن عشت بعد محمد لأنكحن عائشة، وقد ذكرنا أن اللفظ العام لا يغير معناه سبب النزول، فإن المراد أن إيذاء الرسول حرام، والتعرض لنسائه في حياته إيذاء فلا يجوز، ثم قال لا بل ذلك غير جائز مطلقاً، ثم أكد بقوله: { إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } أي إيذاء الرسول.