خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ
٥٨
-يس

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

هو أكمل الأشياء وهو آخرها الذي لا شيء فوقه ولنبينه في مسائل:

المسألة الأولى: ما الرافع لقوله { سَلَـٰمٌ }؟ نقول يحتمل ذلك وجوهاً أحدها: هو بدل مما يدعون كأنه تعالى لما قال: { { لَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } [يس: 57] بينه ببدله فقال لهم سلام فيكون في المعنى كالمبتدأ الذي خبره جار ومجرور، كما يقال في الدار رجل ولزيد مال، وإن كان في النحو ليس كذلك بل هو بدل وبدل النكرة من المعرفة جائز فتكون ما بمعنى الذي معرفة وسلام نكرة، ويحتمل على هذا أن يقال ما في قوله تعالى: { مَّا يَدَّعُونَ } لا موصوفة ولا موصولة بل هي نكرة تقديره لهم شيء يدعون ثم بين بذكر البدل فقال: { سَلَـٰمٌ } والأول هو الصحيح وثانيها سلام خبر ما ولهم لبيان الجهة تقديره ما يدعون سالم لهم أي خالص والسلام بمعنى السالم الخالص أو السليم يقال عبد السلام أي سليم من العيوب كما يقال لزيد الشرف متوفر والجار والمجرور يكون لبيان من له ذلك والشرف هو المبتدأ ومتوفر خبره وثالثها قوله تعالى: { سَلَـٰمٌ } منقطع عما تقدم وسلام مبتدأ وخبره محذوف تقديره سلام عليهم فيكون ذلك إخباراً من الله تعالى في يومنا هذا كأنه تعالى حكى لنا وقال: { { إِنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ في شُغُلٍ } [يس: 55] ثم لما بين كمال حالهم قال سلام عليهم، وهذا كما في قوله تعالى: { { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ } [الصافات: 79] { { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 181] فيكون الله تعالى أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين وهذا وجه مبتكر جيد ما يدل عليه منقول، أو نقول تقديره سلام عليكم ويكون هذا نوعاً من الالتفات حيث قال لهم كذا وكذا، ثم قال سلام عليكم.

المسألة الثانية: { قَوْلاً } منصوب بماذا؟ نقول يحتمل وجوهاً أحدها: نصب على المصدر تقديره على قولنا المراد لهم سلام هو أن يقال لهم سلام يقوله الله قولاً أو تقوله الملائكة قولاً وعلى قولنا ما يدعون سالم لهم تقديره قال الله ذلك قولاً ووعدهم بأن لهم ما يدعون سالم وعداً وعلى قولنا سلام عليهم تقديره أقوله قولاً وقوله: { مّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } يكون لبيان أن السلام منه أي سلام عليهم من رب رحيم أقوله قولاً، ويحتمل أن يقال على هذا إنه تمييز لأن السلام قد يكون قولاً وقد يكون فعلاً فإن من يدخل على الملك فيطأطىء رأسه يقول سلمت على الملك، وهو حينئذ كقول القائل البيع موجود حكماً لا حساً وهذا ممنوع عنه قطعاً لا ظناً.

المسألة الثالثة: قال في السلام { مّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } وقال في غيره من أنواع الإكرام { { نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [فصلت: 32] فهل بينهما فرق؟ نقول نعم، أما هناك فلأن النزل ما يرزق النزيل أولاً، وذلك وإن كان يدل عليه ما بعده فإن النزيل إذا أكرم أو لا يدل على أنه مكرم وإذا أخل بإكرامه في الأول يدل على أنه مهان دائماً غير أن ذلك غير مقطوع به، لجواز أن يكون الملك واسع الرزق فيرزق نزيله أولاً ولا يمنع منه الطعام والشراب ويناقشه في غيره فقال غفور لما صدر من العبيد ليأمن العبد ولا يقول بأن الإطعام قد يوجد ممن يعاقب بعده والسلام يظهر مزية تعظيمه للمسلم عليه لا بمغفرة فقال: { رَبّ غَفُورٌ } لأن رب الشيء مالكه الذي إذا نظر إلى علو مرتبته لا يرجى منه الإلتفات إليه بالتعظيم، فإذا سلم عليه يعجب منه وقيل انظر هو سيده ويسلم عليه.