خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١١
-الفتح

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

لما بيّن حال المنافقين ذكر المتخلفين، فإن قوماً من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لظنهم أنه يهزم، فإنهم قالوا أهل مكة يقاتلون عن باب المدينة، فكيف يكون حالهم إذا دخلوا بلادهم وأحاط بهم العدو فاعتذروا، وقولهم { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا وَأَهْلُونَا } فيه أمران يفيدان وضوح العذر أحدهما: (قولهم) { أَمْوَالُنَا } ولم يقولوا شغلتنا الأموال، وذلك لأن جمع المال لا يصلح عذراً (لأنه) لا نهاية له، وأما حفظ ما جمع من الشتات ومنع الحاصل من الفواتت يصلح عذراً، فقالوا { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا } أي ما صار مالاً لنا لا مطلق الأموال وثانيهما: قوله تعالى: { وَأَهْلُونَا } وذلك لو أن قائلاً قال لهم: المال لا ينبغي أن يبلغ إلى درجة يمنعكم حفظه من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لكان لهم أن يقولوا: فالأهل يمنع الاشتغال بهم وحفظهم عن أهم الأمور، ثم إنهم مع العذر تضرعوا وقالوا { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } يعني فنحن مع إقامة العذر معترفون بالإساءة، فاستغفر لنا واعف عنا في أمر الخروج، فكذبهم الله تعالى فقال: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } وهذا يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون التكذيب راجعاً إلى قولهم { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } وتحقيقه هو أنهم أظهروا أنهم يعتقدون أنهم مسيئون بالتخلف حتى استغفروا، ولم يكن في اعتقادهم ذلك، بل كانوا يعتقدون أنهم بالتخلف محسنون ثانيهما: قالوا { شَغَلَتْنَا } إشارة إلى أن امتناعنا لهذا لا غير، ولم يكن ذلك في اعتقادهم، بل كانوا يعتقدون امتناعهم لاعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يقهرون ويغلبون، كما قال بعده { { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } [الفتح: 12] وقوله { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } معناه أنكم تحترزون عن الضرر. وتتركون أمر الله ورسوله، وتقعدون طلباً للسلامة، ولو أراد بكم الضرر لا ينفعكم قعودكم من الله شيئاً، أو معناه أنكم تحترزون عن ضرر القتال والمقاتلين وتعتقدون أن أهليكم وبلادكم تحفظكم من العدو، فهب أنكم حفظتم أنفسكم عن ذلك، فمن يدفع عنكم عذاب الله في الآخرة، مع أن ذلك أولى بالاحتراز، وقد ذكرنا في سورة يۤس في قوله تعالى: { { إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرّ } [يۤس: 23] أنه في صورة كون الكلام مع المؤمن أدخل الباء على الضر، فقال: { { إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرّ } [الزمر: 38] وقال: { { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ } [الأنعام: 17] وفي صورة كون الكلام مع الكافر أدخل الباء عل الكافر، فقال ههنا { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } وقال: { { مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً } [الأحزاب: 17] وقد ذكرنا الفرق الفائق هناك، ولا نعيده ليكون هذا باعثاً على مطالعة تفسير سورة يّس، فإنها درج الدرر اليتيمة، { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي بما تعملون من إظهار الحرب وإضمار غيره.