خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١٦٠
-الأعراف

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن المقصود من هذه الآية، شرح نوعين من أحوال بني إسرائيل: أحدهما: أنه تعالى جعلهم اثني عشر سبطاً، وقد تقدم هذا في سورة البقرة، و المراد أنه تعالى فرق بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة، لأنهم كانوا من اثني عشر رجلاً من أولاد يعقوب، فميزهم وفعل بهم ذلك لئلا يتحاسدوا فيقع فيهم الهرج والمرج. وقوله: { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ } أي صيرناهم قطعاً أي فرقاً وميزنا بعضهم من بعض وقرىء { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ } بالتخفيف وههنا سؤالان:

السؤال الأول: مميز ما عدا العشرة مفرد، فما وجه مجيئه مجموعاً، وهلا قيل: اثني عشر سبطاً؟

والجواب: المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط، فوضع أسباطاً موضع قبيلة.

السؤال الثاني: قال: { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا } مع أن السبط مذكر لا مؤنث.

الجواب قال الفراء: إنما قال ذلك، لأنه تعالى ذكر بعده { أُمَمًا } فذهب التأنيث إلى الأمم.

ثم قال: ولو قال: اثني عشر لأجل أن السبط مذكر كان جائزاً. وقال الزجاج: المعنى { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } فرقة { أَسْبَاطًا } فقوله: { أَسْبَاطًا } نعت لموصوف محذوف، وهو الفرقة. وقال أبو علي الفارسي: ليس قوله: { أَسْبَاطًا } تمييزاً، ولكنه بدل من قوله: { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ }.

وأما قوله: { أُمَمًا } قال صاحب «الكشاف»: هو بدل من { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } بمعنى: وقطعناهم أمما لأن كل سبط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد، وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى ولا تكاد تأتلف. وقرىء { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } بكسر الشين.

النوع الثاني: من شرح أحوال بني إسرائيل قوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى إِذِ ٱسْتَسْقَـٰهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } وهذه القصة أيضاً قد تقدم ذكرها في سورة البقرة. قال الحسن: ما كان إلا حجراً اعترضه وإلا عصاً أخذها.

واعلم أنهم كانوا ربما احتاجوا في التيه إلى ماء يشربونه، فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه الحجر. وكانوا يريدونه مع أنفسهم فيأخذوا منه قدر الحاجة، وقوله: { فَٱنبَجَسَتْ } قال الواحدي: فانبجس الماء وانبجاسه انفجاره. يقال: بجس الماء يبجس وانبجس وتبجس إذا تفجر، هذا قول أهل اللغة، ثم قال: والانبجاس والانفجار سواء، وعلى هذا التقدير فلا تناقض بين الانبجاس المذكور ههنا وبين الانفجار المذكور في سورة البقرة، وقال آخرون: الانبجاس خروج الماء بقلة، والانفجار خروجه بكثرة، وطريق الجمع: أن الماء ابتدأ بالخروج قليلاً، ثم صار كثيراً، وهذا الفرق مروي عن أبي عمرو بن العلاء، ولما ذكر تعالى أنه كيف كان يسقيهم، ذكر ثانياً أنه ظلل الغمام عليهم، وثالثا: أنه أنزل عليهم المن والسلوى، ولا شك أن مجموع هذه الأحوال نعمة عظيمة من الله تعالى، لأنه تعالى سهل عليهم الطعام والشراب على أحسن الوجوه ودفع عنهم مضار الشمس.

ثم قال: { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } والمراد قصر أنفسهم على ذلك المطعوم وترك غيره.

ثم قال تعالى: { وَمَا ظَلَمُونَا } وفيه حذف، وذلك لأن هذا الكلام إنما يحسن ذكره لو أنهم تعدوا ما أمرهم الله به، وذلك إما بأن تقول إنهم ادخروا مع أن الله منعهم منه، أو أقدموا على الأكل في وقت منعهم الله عنه، أو لأنهم سألوا غير ذلك مع أن الله منعهم منه، ومعلوم أن المكلف إذا ارتكب المحظور فهو ظالم لنفسه، فلذلك وصفهم الله تعالى به ونبَّه بقوله: { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } وذلك أن المكلف إذا أقدم على المعصية فهو ما أضر إلا نفسه حيث سعى في صيرورة نفسه مستحقة للعقاب العظيم.