خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١١
-يونس

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالىٰ: { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ }.

فيه ثلاث مسائل:

الأولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ } قيل: معناه ولو عجل الله للناس العقوبة كما يستعجلون الثواب والخير لماتوا، لأنهم خلقوا في الدنيا خلقاً ضعيفاً، وليس هم كذا يوم القيامة؛ لأنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء. وقيل: المعنىٰ لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم؛ وهو معنىٰ «لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ». وقيل: إنه خاص بالكافر؛ أي ولو يعجل الله للكافر العذاب على كفره كما عجل له خير الدنيا من المال والولد لعجّل له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة؛ قاله ابن إسحاق. مقاتل: هو قول النضّر بن الحارث: اللَّهُمَّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء؛ فلو عجل لهم هذا لهلكوا. وقال مجاهد: نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب: اللهم أهلكه، اللهم لا تبارك له فيه والعنه، أو نحو هذا؛ فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم. فالآية نزلت ذامّة لخُلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة ثم يحملهم أحياناً سوء الخلق على الدعاء في الشر؛ فلو عجّل لهم لهلكوا.

الثانية ـ وٱختلف في إجابة هذا الدعاء؛ فروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني سألت الله عز وجل ألا يستجب دعاء حبيب على حبيبه" . وقال شَهْرُ ابن حَوْشَب: قرأت في بعض الكتب أن الله تعالىٰ يقول للملائكة الموكَّلين بالعبد: لا تكتبوا على عبدي في حال ضجره شيئاً؛ لطفاً من الله تعالىٰ عليه. قال بعضهم: وقد يستجاب ذلك الدعاء؛ واحتج بحديث جابر الذي رواه مسلم في صحيحه آخر الكتاب، "قال جابر: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ بَطْنِ بُواطٍ وهو يطلب المجدِي بن عمرو الجُهَنيّ وكان الناضح يَعْتَقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عُقبة رجلٍ من الأنصار على ناضح له فأناخه فركب، ثم بعثه فتلدّن عليه بعض التلدن؛ فقال له: شَأ؛ لعنك اللهٰ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن هذا اللاعنُ بعيره؟ قال: أنا يا رسول الله؛ قال: ٱنزل عنه فلا تصحبنا بملعون لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءٌ فيستجيب لكم" .

في غير كتاب مسلم أن "النبيّ صلى الله عليه وسلم كان في سفر فلعن رجل ناقته فقال: أين الذي لعن ناقته؟ فقال الرجل: أنا هذا يا رسول الله؛ فقال: أخرها عنك فقد أُجِبت فيها" ذكره الحُليميّ في منهاج الدين. «شأ» يروىٰ بالسين والشين، وهو زجر للبعير بمعنىٰ سِر.

الثالثة ـ قوله تعالىٰ: { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ } قال العلماء: التعجيل من الله، والاستعجال من العبد. وقال أبو عليّ: هما من الله؛ وفي الكلام حذف؛ أي ولو يعجل الله للناس الشر تعجيلاً مثل استعجالهم بالخير، ثم حذف تعجيلاً وأقام صفته مقامه، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه؛ هذا مذهب الخليل وسيبويه. وعلى قول الأخفش والفراء كاستعجالهم، ثم حذف الكاف ونصب. قال الفراء: كما تقول ضربت زيداً ضربك، أي كضربك. وقرأ ابن عامر «لقضى إليهم أجلهم». وهي قراءة حسنة؛ لأنه متصل بقوله { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ }.

قوله تعالىٰ: { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } أي لا يعجل لهم الشر فربما يتوب منهم تائب، أو يخرج من أصلابهم مؤمن. { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي يتحيرون. والطغيان: العلوّ والارتفاع؛ وقد تقدّم في «البقرة». وقد قيل: إن المراد بهذه الآية أهل مكة، وإنها نزلت حين قالوا: { { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال: 32] الآية، على ما تقدّم والله أعلم.