قوله تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } قال أبو سعيد الخُدرِيّ وابن عباس رضي الله عنهما: فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام. وعنهما أيضاً: فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله، وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة: فضل الله الإيمان، ورحمته القرآن؛ على العكس من القول الأوّل. وقيل: غير هذا. { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } إشارة إلى الفضل والرحمة. والعرب تأتي «بذلك» للواحد والاثنين والجمع. وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ «فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا» بالتاء؛ وهي قراءة يزيد بن القَعْقاع ويعقوب وغيرهما، وفي الحديث.
"لتأخذوا مصافّكم" . والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب. وقد ذمّ الفرح في مواضع؛ كقوله: { لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [القصص: 76] وقوله: { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [هود: 10] ولكنه مطلق. فإذا قيّد الفرح لم يكن ذماً؛ لقوله؛ { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [آل عمران: 170] وهاهنا قال تبارك وتعالى: { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } أي بالقرآن والإسلام فليفرحوا؛ فقيد. قال هارون: وفي حرف أُبَيّ «فبِذلِك فافرحوا». قال النحاس: سبيل الأمر أن يكون باللام ليكون معه حرف جازم كما أن مع النهي حرفاً؛ إلا أنهم يحذفون من الأمر للمخَاطب استغناء بمخاطبته، وربما جاءوا به على الأصل؛ منه «فبذلك فلتفرحوا». { هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } يعني في الدنيا. وقراءة العامة بالياء في الفعلين؛ ورُوي عن ٱبن عامر أنه قرأ «فليفرحوا» بالياء «تجمعون» بالتاء؛ خطاباً للكافرين. ورُوي عن الحسن أنه قرأ بالتاء في الأوّل؛ و «يجمعون» بالياء على العكس. وروى أبان عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من هداه الله للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة كتب الله الفقر بين عينيه إلى يوم يلقاه" ـ ثم تلا ـ { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }.