قوله تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } قال الخليل وسيبويه: هي «أيّ» دخل عليها كاف التشبيه وبُنيت معها، فصار في الكلام معنى كَمْ، وقد مضى في «آل عمران» القول فيها مستوفى. ومضى القول في آية «السَّمَوَاتِ والأرْضِ» في «البقرة». وقيل: الآيات آثار عقوبات الأمم السالفة؛ أي هم غافلون معرضون عن تأملها. وقرأ عكرمة وعمرو بن فائد «وَالأَرْضُ» رفعاً ٱبتداء، وخبره. { يَمُرُّونَ عَلَيْهَا }. وقرأ السّدي «وَالأَرْضَ» نصباً بإضمار فعل، والوقف على هاتين القراءتين على «السموات». وقرأ ٱبن مسعود: «يمشون عليها».
قوله تعالى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } نزلت في قوم أقرّوا بالله خالقهم وخالق الأشياء كلها، وهم يعبدون الأوثان؛ قاله الحسن ومجاهد وعامر والشَّعبي وأكثر المفسرين. وقال عِكرمة هو قوله:
{ { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [الزخرف: 87] ثم يصفونه بغير صفته ويجعلون له أنداداً؛ وعن الحسن أيضاً: أنهم أهل كتاب معهم شِرْكٌ وإيمان، آمنوا بالله وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا يصح إيمانهم؛ حكاه ابن الأنباري. وقال ابن عباس: نزلت في تلبية مشركي العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك. وعنه أيضاً أنهم النصارى. وعنه أيضاً أنهم المشبّهة، آمنوا مجملاً وأشركوا مُفَصَّلاً. وقيل: نزلت في المنافقين؛ المعنى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ } أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه؛ ذكره الماورديّ عن الحسن أيضاً. وقال عطاء: هذا في الدعاء؛ وذلك أن الكفار يَنْسَون ربهم في الرّخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء؛ بيانه: { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } [يونس: 22] الآية. وقوله: { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ } الآية. وفي آية أخرى: «وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ». وقيل: معناها أنهم يدعون الله ينجيهم من الهَلَكة، فإذا أنجاهم قال قائلهم: لولا فلان ما نجونا، ولولا الكلب لدخل علينا اللّص، ونحو هذا؛ فيجعلون نعمة الله منسوبة إلى فلان، ووقايته منسوبة إلى الكلب. قلت: وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوامّ المسلمين؛ ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم. وقيل: نزلت هذه الآية في قصة الدُّخَان؛ وذلك أن أهل مكة لما غشيهم الدُّخَان في سنيّ القَحْط قالوا:
{ { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } [الدخان: 12] فذلك إيمانهم، وشركهُم عودُهم إلى الكفر بعد كشف العذاب؛ بيانه قوله: { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } [الدخان: 15] والعود لا يكون إلا بعد ٱبتداء؛ فيكون معنى: «إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ» أي إلا وهم عائدون (إلى الشرك)، والله أعلم. قوله تعالى: { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } قال ابن عباس: مُجلّلة. وقال مجاهد: عذاب يغشاهم؛ نظيره.
{ { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [العنكبوت: 55]. وقال قَتَادة: وقِيعة تقع لهم. وقال الضحّاك: يعني الصَّواعِق والقَوَارِع. { أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ } يعني القيامة. { بَغْتَةً } نصب على الحال؛ وأصله المصدر. وقال المبرد: جاء عن العرب حال بعد نكرة؛ وهو قولهم: وقع أمر بغتة وفجأة؛ قال النحاس: ومعنى: «بَغْتَةً» إصابة من حيث لم يتوقّع. { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } وهو توكيد. وقوله: «بَغْتَةً» قال ابن عباس: تَصيح الصيحة بالناس وهم في أسواقهم ومواضعهم، كما قال: { تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } [يۤس: 49] على ما يأتي. قوله تعالى: { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } ٱبتداء وخبر؛ أي قل يا محمد هذه طريقي وسُنَّتي ومِنْهَاجِي؛ قاله ابن زيد. وقال الرّبيع: دعوتي. مقاتل: ديني، والمعنى واحد؛ أي الذي أنا عليه وأدعو إليه يؤدّي إلى الجنة. { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } أي على يقين وحقّ؛ ومنه: فلان مستبصر بهذا. { أَنَاْ } توكيد. { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } عطف على المضمر. { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } أي قل يا محمد: «وَسُبْحَانَ اللَّهِ». { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } الذين يتخذون من دون الله أنداداً.