خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٣١
-الرعد

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } هذا متصل بقوله: { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [الرعد: 27]. وذلك أن نفراً من مشركي مكة فيهم أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية المخزوميّان جلسوا خلف الكعبة، ثم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم؛ فقال له عبد الله: إن سرّك أن نتبعك فسَيِّر لنا جبال مكة بالقرآن، فأَذْهبها عنّا حتى تنفسح؛ فإنها أرض ضيّقة، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً، حتى نغرس ونزرع؛ فلستَ كما زعمتَ بأهون على ربك من داود حين سخّر له الجبال تسير معه، وسَخِّر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها مِيرتنا وحوائجنا، ثم نرجع من يومنا؛ فقد كان سليمان سخّرت له الريح كما زعمتَ؛ فلستَ بأهون على ربك من سليمان بن داود، وأَحْيِ لنا قُصَيّا جدّك، أو من شئتَ أنت من موتانا نسأله؛ أحقُّ ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيـي الموتى، ولست بأهون على الله منه؛ فأنزل الله تعالى: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ» الآية؛ قال معناه الزّبير بن العوام ومجاهد وقَتَادة والضّحاك؛ والجواب محذوف تقديره: لكان هذا القرآن، لكن حذف إيجازاً، لما في ظاهر الكلام من الدلالة عليه؛ كما قال ٱمرؤ القيس:

فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَموتُ جَمِيعةًولكِنَّها نفسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسَا

يعني لهان عليّ؛ هذا معنى قول قَتَادة؛ قال: لو فَعَل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعله قرآنكم. وقيل: الجواب متقدم، وفي الكلام تقديم وتأخير؛ أي وهم يكفرون بالرحمن لو أنزلنا القرآن وفعلنا بهم ما اقترحوا. الفراء: يجوز أن يكون الجواب لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن. الزّجاج: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً» إلى قوله: «الْمَوْتَى» لما آمنوا، والجواب المضمر هنا ما أظهر في قوله: { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } [الأنعام: 111] إلى قوله: { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الأنعام: 111]. { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } أي هو المالك لجميع الأمور، الفاعل لما يشاء منها، فليس ما تلتمسونه مما يكون بالقرآن، إنما يكون بأمر الله.

قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } قال الفراء قال الْكَلْبي: «ييئس» بمعنى يعلم، لغة النَّخَع؛ وحكاه القُشَيْري عن ابن عباس؛ أي أفلم يعلموا؛ وقاله الجوهري في الصحاح.

وقيل: هو لغة هَوَازِن؛ أي أفلم يعلم؛ عن ابن عباس ومجاهد والحسن. وقال أبو عبيدة: أفلم يعلموا ويتبيّنوا، وأنشد في ذلك أبو عبيدة لمالك بن عوف النَّصْرِي:

أَقُولُ لَهُمْ بالشَّعْب إذْ يَيْسِرُونَنِيأَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ٱبْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ

يَيْسرونني من المَيْسر، وقد تقدم في «البقرة» ويروى يأسرونني من الأَسْر. وقال رَبَاح بن عديّ:

أَلَمْ يَيْئَسِ الأقوامُ أَنِّي (أنا) ٱبْنُهُوإنْ كنتُ عن أرضِ الْعَشِيرةِ نائيَا

في كتاب الرّد «أني أنا ٱبنه» وكذا ذكره الغزنوي: ألم يعلم؛ والمعنى على هذا: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً من غير أن يشاهدوا الآيات. وقيل: هو من اليأس المعروف؛ أي أفلم ييئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار، لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم؛ لأن المؤمنين تَمنَّوا نزول الآيات طمعاً في إيمان الكفار. وقرأ عليّ وابن عباس: «أَفَلَمْ يَتَبَيَّنَ الَّذِينَ آمَنُوا» من البيان. قال القُشَيْرِي: وقيل لابن عباس المكتوب «أَفَلَمْ يَيْئَسِ» قال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس؛ أي زاد بعض الحروف حتى صار «ييئس». قال أبو بكر الأنباريّ: روي عن عِكرمة عن ٱبن أبي نَجيح أنه قرأ ـ «أفلم يتبين الذين آمنوا» وبها ٱحتجّ من زعم أنه الصواب في التلاوة؛ وهو باطل عن ٱبن عباس، لأن مجاهداً وسعيد بن جُبَير حكيا الحرف عن ابن عباس، على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جُبَير عن ابن عباس؛ ثم إن معناه: أفلم يتبين؛ فإن كان مراد الله تحت اللفظة التي خالفوا بها الإجماع فقراءتنا تقع عليها، وتأتي بتأويلها، وإن أراد الله المعنى الآخر الذي اليأس فيه ليس من طريق العلم فقد سقط مما أوردوا؛ وأَمَّا سقوطه يبطل القرآن، ولزوم أصحابه البهتان. { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } «أَنْ» مخففة من الثقيلة، أي أنه لو يشاء الله { لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } وهو يردّ على القَدَرية وغيرهم.

قوله تعالى: { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوّهم، ويقال: قرعه أمر إذا أصابه، والجمع قَوارِع؛ والأصل في القرع الضرب؛ قال:

أَفْنَى تِلاَدِي وَمَا جَمَّعْتُ مِن نَشَبٍقَرْعُ الْقَوَاقِيزِ أَفْوَاهَ الأَبَارِيقِ

أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أَرْبَدَ أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء؛ كما نزل بالمستهزئين، وهم رؤساء المشركين. وقال عِكرِمة عن ابن عباس: القارعة النكبة. وقال ٱبن عباس أيضاً وعكْرمة: القارعة الطلائع والسرايا التي كان يُنفِذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم. { أَوْ تَحُلُّ } أي القارعة. { قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } قاله قتادة والحسن. وقال ابن عباس: أو تَحُلّ أنت قريباً من دارهم. وقيل: نزلت الآية بالمدينة؛ أي لا تزال تصيبهم القوارع فتنزل بساحتهم أو بالقرب منهم كَقُرى المدينة ومكة. { حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ } في فتح مكة؛ قاله مجاهد وقتادة. وقيل: نزلت بمكة؛ أي تصيبهم القوارع، وتخرج عنهم إلى المدينة يا محمد، فتحلّ قريباً من دارهم، أو تحلّ بهم محاصراً لهم؛ وهذه المحاصرة لأهل الطائف، ولِقلاع خَيْبَر، ويأتِي وعد الله بالإذن لك في قتالهم وقهرهم. وقال الحسن: وعد الله يوم القيامة.