خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ
٨
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ
٩
-إبراهيم

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي لا يلحقه بذلك نقص، بل هو الغني. «الْحَمِيدُ» أي المحمود.

قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } النبأ الخبر، والجمع الأنباء؛ قال:

أَلَمْ يَأْتِيـكَ وَٱلأنبـاءُ تَنْمِـي

ثم قيل: هو من قول موسى. وقيل: من قول الله؛ أي وٱذكر يا محمد إذ قال ربك كذا. وقيل: هو ٱبتداء خطاب من الله تعالى. وخبر قوم نوح وعاد وثمود مشهور قصه الله في كتابه. وقوله: { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } أي لا يحصي عددهم إلا الله، ولا يعرف نسبهم إلا الله؛ والنّسابون وإن نَسَبوا إلى آدم فلا يدّعون إحصاء جميع الأمم، وإنما ينسبون البعض، ويمسِكون عن نسب البعض؛ "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع النّسابين ينسبون إلى معدّ بن عدنان ثم زادوا فقال: كذب النسابون إن الله يقول: { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ }" . وقد رُوي عن عُرْوة بن الزبير أنه قال: ما وجدنا أحداً يعرف ما بين عدنان وإسمعيل. وقال ٱبن عباس: بين عدنان وإسمعيل ثلاثون أبا لا يعرفون. وكان ابن مسعود يقول حين يقرأ: «لاَ يعلمهُمْ إِلاَّ اللَّه»: كذب النّسابون. { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي بالحجج والدلالات. { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَاهِهِمْ } أي جعل أولئك القوم أيدي أنفسهم في أفواههم ليَعضُّوها غيظاً مما جاء به الرسل؛ إذ كان فيه تَسفيه أحلامهم، وشتم أصنامهم؛ قاله ابن مسعود، ومثله قاله عبد الرحمن بن زيد، وقرأ: « { عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظ } [آل عمران:119] وقال ابن عباس: لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم. وقال أبو صالح: كانوا إذا قال لهم نبيهم أنا رسول الله إليكم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم: أَنِ ٱسكت، تكذيباً له، وردًّا لقوله؛ وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى. والضميران للكفار؛ والقول الأول أصحها إسناداً؛ قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحق عن أبي الأحوص (عن) عبد الله في قوله تعالى: { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَاهِهِمْ } قال: عَضُّوا عليها غيظاً؛ وقال الشاعر:

لو أنّ سَلْمَى أَبْصَرَتْ تَخَدُّدِيودِقَّةً في عظمِ ساقي ويَدي
وبُعْدَ أَهْليِ وجَفَاءَ عُوَّدِيعَضّتْ من الْوَجْدِ بأطرافِ اليدِ

وقد مضى هذا المعنى في «آل عمران» مجوّداً، والحمد لله. وقال مجاهد وقَتَادة: ردّوا على الرسل قولهم وكذّبوهم بأفواههم؛ فالضمير الأول للرسل، والثاني للكفار. وقال الحسن وغيره: جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردًّا لقولهم؛ فالضمير الأول على هذا للكفار، والثاني للرسل. وقيل معناه: أَوْمأوا للرسل أن يسكتوا. وقال مقاتل: أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم. وقيل: ردّ الرسل أيدي القوم في أفواههم. وقيل: إن الأيدي هنا النِّعم؛ أي ردّوا نِعم الرسل بأفواههم، أي بالنطق والتكذيب؛ ومجيء الرسل بالشرائع نِعَمٌ؛ والمعنى: كذّبوا بأفواههم ما جاءت به الرسل. و «في» بمعنى الباء؛ يقال: جلست في البيت وبالبيت؛ وحروف الصفات يقام بعضها مقام بعض. وقال أبو عبيدة: هو ضرب مَثَل؛ أي لم يُؤْمنوا ولم يُجيبوا؛ والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت: قد ردّ يده في فيه؛ وقاله الأخفش أيضاً. وقال القُتَبيّ: لم نسمع أحداً من العرب يقول: ردّ يده في فيه إذا ترك ما أمر به، وإنما المعنى: عضوا على الأيدي حنقاً وغيظاً؛ لقول الشاعر:

تَرُدّون في فِيهِ غِشَّ الْحَسُودِ حتى يَعَضَّ عليّ الأَكُفَّا

يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعضّ على أصابعه وكفّيه. وقال آخر:

قَد أَفْنَى أنَامِلَهُ أَزْمَةًفأضحَى يَعَضُّ عليَّ الْوَظِيفَا

وقالوا: - يعني الأمم للرسل ـ { إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ } أي بالإرسال على زعمكم، لا أنهم أقرّوا أنهم أُرسلوا. { وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ } أي في ريب ومِرية. { مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ } من التوحيد. { مُرِيبٍ } أي موجب للرّيبة؛ يقال: أربته إذ فعلت أمراً أوجب ريبة وشكًّا؛ أي نظنّ أنكم تطلبون الملك والدنيا.