قوله تعالى: { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً } أي قالوا: أنزل خيراً؛ وتَمّ الكلام. و «ماذا» على هذا اسم واحد. وكان يرِدُ الرجل من العرب مكة في أيام الموسم فيسأل المشركين عن محمد عليه السلام فيقولون: ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون. ويسأل المؤمنين فيقولون: أنزل الله عليه الخير والهدى، والمراد القرآن. وقيل: إن هذا يقال لأهل الإيمان يوم القيامة. قال الثعلبي: فإن قيل: لِم ٱرتفع الجواب في قوله: { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } وٱنتصب في قوله: «خيرا» فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل، فكأنهم قالوا: الذي يقوله محمد هو أساطير الأوّلين. والمؤمنون آمنوا بالنزول فقالوا: أنزل خيراً. وهذا مفهوم معناه من الإعراب، والحمد لله.
قوله تعالى: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } قيل: هو من كلام الله عز وجل. وقيل: هو من جملة كلام الذين اتقَوا. والحسنة هنا: الجنة؛ أي من أطاع الله فله الجنة غداً. وقيل: «للذين أحسنوا» اليومَ حسنة في الدنيا من النصر والفتح والغَنِيمة: { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } أي ما ينالون في الآخرة من ثواب الجنة خير وأعظم من دار الدنيا؛ لفنائها وبقاء الآخرة. { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } فيه وجهان ـ قال الحسن: المعنى ولنعم دار المتقين الدنيا؛ لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة ودخول الجنة. وقيل: المعنى ولنعم دار المتقين الآخرة؛ وهذا قول الجمهور. وعلى هذا تكون { جَنَّاتُ عَدْنٍ } بدلاً من الدار فلذلك ارتفع. وقيل: ارتفع على تقدير هي جنات، فهي مبيِّنة لقوله: «دَارُ المتّقِين»، أو تكون مرفوعة بالابتداء، التقدير: جنات عدن نعم دار المتقين. { يَدْخُلُونَهَا } في موضع الصفة، أي مدخولة. وقيل: «جنات» رفع بالابتداء، وخبره «يدخلونها» وعليه يُخَرّج قول الحسن. والله أعلم. { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } تقدّم معناه في البقرة. { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } أي مما تمنّوه وأرادوه. { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } أي مثل هذا الجزاء يجزي الله المتقين. { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ } قرأ الأعمش وحمزة «يتوفاهم الملائكة» في الموضعين بالياء، واختاره أبو عبيد؛ لما روي عن ابن مسعود أنه قال: إن قريشاً زعموا أن الملائكة إناث فذكِّروهم أنتم. الباقون بالتاء؛ لأن المراد به الجماعة من الملائكة. و { طَيِّبِينَ } فيه ستة أقوال: الأوّل ـ «طَيِّبِين» طاهرين من الشرك. الثاني ـ صالحين. الثالث ـ زاكية أفعالهم وأقوالهم. الرابع ـ طيبين الأنفس ثقةً بما يلقونه من ثواب الله تعالى. الخامس ـ طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله. السادس ـ «طيبين» أن تكون وفاتهم طيّبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم؛ بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط. والله أعلم. { يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } يحتمل وجهين: أحدهما ـ أن يكون السلام إنذاراً لهم بالوفاة. الثاني ـ أن يكون تبشيراً لهم بالجنة؛ لأن السلام أمان. وذكر ابن المبارك قال: حدّثني حَيْوَة قال أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القُرَظِيّ قال: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه مَلَك الموت فقال: السلام عليك وَلِيَّ الله، الله يقرأ عليك السلام. ثم نزع بهذه الآية «الذين تتوفاهم الملائكة طيّبِين يقولونَ سلام عليكم». وقال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن قال: ربّك يقرئك السلام. وقال مجاهد: إن المؤمن ليبَشَّر بصلاح ولده من بعده لتَقَرّ عينه. وقد أتينا على هذا في (كتاب التذكرة) وذكرنا هناك الأخبار الواردة في هذا المعنى، والحمد لله. وقوله: { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } يحتمل وجهين: أحدهما ـ أن يكون معناه ابشروا بدخول الجنة. الثاني ـ أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة. { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني في الدنيا من الصالحات.