خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٧٦
-النحل

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ } هذا مَثَلٌ آخر ضربه الله تعالى لنفسه وللوثَنَ، فالأبكم الذي لا يقدر على شيء هو الوثن، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى؛ قاله قَتادة وغيره. وقال ابن عباس: الأبكم عبد كان لعثمان رضي الله عنه، وكان يعرض عليه الإسلام فيأبى، ويأمر بالعدل عثمانُ. وعنه أيضاً أنه مَثَلٌ لأبي بكر الصدّيق ومولًى له كافر. وقيل: الأبكم أبو جهل، والذي يأمر بالعدل عَمّار بن ياسر العَنْسِيّ، وعَنْس (بالنون) حَيّ من مَذْحِج، وكان حليفاً لبني مخزوم رهط أبي جهل، وكان أبو جهل يعذبه على الإسلام ويعذب أمّه سُمَيّة، وكانت مولاة لأبي جهل، وقال لها ذات يوم: إنما آمنت بمحمد لأنك تحبّينه لجماله، ثم طعنها بالرمح في قُبُلِها فماتت، فهي أوّل شهيد مات في الإسلام، رحمها الله. من كتاب النقاش وغيره. وسيأتي هذا في آية الإكراه مبيَّنا إن شاء الله تعالى. وقال عطاء: الأبكم أبَيّ بن خلَف، كان لا ينطق بخير. { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ } أي قومه لأنه كان يؤذيهم ويؤذي عثمان بن مَظْعُون. وقال مقاتل: نزلت في هشام بن عمرو بن الحارث، كان كافراً قليلَ الخير يعادي النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن الأبكم الكافرُ، والذي يأمر بالعدل المؤمنُ جملةً بجملة؛ روي عن ابن عباس وهو حَسَن لأنه يَعُمّ. والأبكم الذي لا نطق له. وقيل الذي لا يعقل. وقيل الذي لا يسمع ولا يبصر. وفي التفسير إن الأبكم هنا الوَثَنُ. بيّن أنه لا قدرة له ولا أمر، وأن غيره ينقله ويَنْحِته فهو كَلٌّ عليه. والله الآمر بالعدل، الغالب على كل شيء. وقيل: المعنى «وهو كَلٌّ على مولاه» أي ثِقْل على وَلِيّه وقرابته، ووبال على صاحبه وابن عمه. وقد يسمَّى اليتيم كَلاًّ لثقله على من يكفله؛ ومنه قول الشاعر:

أكُولٌ لمال الكَلّ قبل شبابهإذا كان عظم الكَلّ غيرَ شديد

والكَلُّ أيضاً الذي لا ولد له ولا والد. والكَلُّ العيال، والجمع الكُلُول؛ يقال منه: كَلّ السكينُ يَكِلّ كَلاًّ أي غلظت شفرته فلم يقطع. { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ } قرأ الجمهور «يُوَجِّهُّه» وهو خط المصحف؛ أي أينما يرسله صاحبه لا يأت بخير، لأنه لا يعرف ولا يفهم ما يقال له ولا يُفهم عنه. وقرأ يحيـى بن وَثّاب «أينما يُوَجَّهُ» على الفعل المجهول. وروي عن ابن مسعود أيضاً «تَوَجّه» على الخطاب. { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي هل يستوي هذا الأبكم ومن يأمر بالعدل على الصراط المستقيم.