خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً
٦
-مريم

الجامع لاحكام القرآن

فيه أربع مسائل:

الأولى: قوله تعالى: «يَرِثُنِي» قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة «يَرِثُنِي وَيَرِثُ» بالرفع فيهما. وقرأ يحيـى بن يعمر وأبو عمرو ويحيـى بن وثاب والأعمش والكسائيّ بالجزم فيهما، وليس هما جواب «هب» على مذهب سيبويه، إنما تقديره إن تهبه يرثني ويرث؛ والأوّل أصوب في المعنى لأنه طلب وارثاً موصوفاً؛ أي هب لي من لدنك الولي الذي هذه حاله وصفته، لأن الأولياء منهم من لا يرث؛ فقال: هب لي الذي يكون وارثي؛ قاله أبو عبيد؛ ورد قراءة الجزم؛ قال: لأن معناه إن وهبت ورث، وكيف يخبر الله عز جل بهذا وهو أعلم به منه؟! النحاس: وهذه حجة متقصاة؛ لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة؛ تقول: أطع الله يدخلك الجنة؛ أي إن تطعه يدخلك الجنة.

الثانية: قال النحاس: فأما معنى { يرثني ويرث من آل يعقوب } فللعلماء فيه ثلاثة أجوبة؛ قيل: هي وراثة نبوّة. وقيل: هي وراثة حكمة. وقيل: هي وراثة مال. فأما قولهم وراثة نبوّة فمحال؛ لأن النبوّة لا تورث، ولو كانت تورث لقال قائل: الناس ينتبسون إلى نوح عليه السلام وهو نبيّ مرسل. ووراثة العلم والحكمة مذهب حسن؛ وفي الحديث "العلماء ورثة الأنبياء" . وأما وراثة المال فلا يمتنع، وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا صدقة" فهذا لا حجة فيه؛ لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجمع. وقد يُؤوَّل هذا بمعنى؛ لا نُورث الذي تركنا صدقة؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يخلّف شيئاً يورث عنه؛ وإنما كان الذي أباحه الله عز وجل إياه في حياته بقوله تبارك اسمه: { { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 41] لأن معنى «لله» لسبيل الله، ومن سبيل الله ما يكون في مصلحة الرسول صلى الله عليه وسلم ما دام حياً؛ فإن قيل: في بعض الروايات «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» ففيه التأويلان جميعاً؛ أن يكون «ما» بمعنى الذي. والآخر لا يورث من كانت هذه حاله. وقال أبو عمر: واختلف العلماء في تأويل قوله عليه السلام: "لا نورث ما تركنا صدقة" على قولين: أحدهما: وهو الأكثر وعليه الجمهور ـ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يورث وما ترك صدقة. والآخر: أن نبينا عليه الصلاة والسلام لم يُورَث؛ لأن الله تعالى خصه بأن جعل ماله كله صدقة زيادة في فضيلته، كما خُصَّ في النكاح بأشياء أباحها له وحرمها على غيره؛ وهذا القول قاله بعض أهل البصرة منهم ابن عُلَية، وسائر علماء المسلمين على القول الأوّل.

الثالثة: قوله تعالى: { مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } قيل: هو يعقوب إسرائيل، وكان زكريا متزوجاً بأخت مريم بنت عمران، ويرجع نسبها إلى يعقوب؛ لأنها من ولد سليمان بن داود وهو من ولد يهوذا بن يعقوب، وزكريا من ولد هارون أخي موسى، وهارون وموسى من ولد لاوي بن يعقوب، وكانت النبوّة في سبط يعقوب بن إسحاق. وقيل: المعنيُّ بيعقوب هاهنا يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان أبي مريم أخوان من نسل سليمان بن داود عليهما السلام؛ لأن يعقوب وعمران ابنا ماثان، وبنو ماثان رؤساء بني إسرائيل؛ قاله مقاتل وغيره. وقال الكلبي: وكان آل يعقوب أخواله، وهو يعقوب بن ماثان، وكان فيهم الملك، وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى. وروى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يرحم الله ـ تعالى ـ زكريا ما كان عليه من ورثته" . ولم ينصرف يعقوب لأنه أعجمي.

الرابعة: قوله تعالى: { وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } أي مرضياً في أخلاقه وأفعاله. وقيل: راضياً بقضائك وقدرك. وقيل: رجلاً صالحاً ترضى عنه. وقال أبو صالح: نبياً كما جعلت أباه نبياً.