خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً
٥٩
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً
٦٠
جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً
٦١
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً
٦٢
تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً
٦٣
-مريم

الجامع لاحكام القرآن

فيه أربع مسائل:

الأولى: قوله تعالى: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } أي أولاد سوء. قال أبو عبيدة: حدّثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال: ذلك عند قيام الساعة، وذهاب صالحي هذه الأمة أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزِقة زنًى. وقد تقدّم القول في «خَلْفٌ» في «الأعراف» فلا معنى للإعادة.

الثانية: قوله تعالى: { أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ } وقرأ عبد الله والحسن «أَضَاعُوا الصَّلَوَاتِ» على الجمع. وهو ذمّ ونص في أن إضاعة الصلاة من الكبائر التي يوبق بها صاحبها ولا خلاف في ذلك. وقد قال عمر: ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. واختلفوا فيمن المراد بهذه الآية؛ فقال مجاهد: النصارى خلفوا بعد اليهود. وقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد أيضاً وعطاء: هم قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان؛ أي يكون في هذه الأمة من هذه صفته لا أنهم المراد بهذه الآية. واختلفوا أيضاً في معنى إضاعتها؛ فقال القرظي: هي إضاعة كفر وجحد بها. وقال القاسم بن مخيمرة، وعبد الله بن مسعود: هي إضاعة أوقاتها، وعدم القيام بحقوقها وهو الصحيح، وأنها إذا صليت مخلًّى بها لا تصح ولا تجزىء؛ لـ "قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي صلى وجاء فسلم عليه: ارجع فصل فإنك لم تصلثلاث مرات" خرجه مسلم، وقال حذيفة لرجل يصلي فطفف: منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال منذ أربعين عاماً. قال: ما صليت، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة لمت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال: إن الرجل ليخفف الصلاة ويتم ويحسن. خرجه البخاري واللفظ للنسائي، وفي الترمذي عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزىء صلاة لا يقيم فيها الرجل" يعني صلبه في الركوع والسجود؛ قال: حديث حسن صحيح؛ والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم؛ يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود؛ قال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لم يقم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "تلك الصلاة صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً" . وهذا ذم لمن يفعل ذلك. وقال فروة بن خالد بن سنان: استبطأ أصحاب الضحاك مرة أميراً في صلاة العصر حتى كادت الشمس تغرب؛ فقرأ الضحاك هذه الآية، ثم قال: والله لأن أدعها أحبّ إلي من أن أضيّعها. وجملة القول في هذا الباب أن من لم يحافظ على كمال وضوئها وركوعها وسجودها فليس بمحافظ عليها، ومن لم يحافظ عليها فقد ضيعها، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، كما أن من حافظ عليها حفظ الله عليه دينه، ولا دين لمن لا صلاة له. وقال الحسن: عطلوا المساجد، واشتغلوا بالصنائع والأسباب. «وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ» أي اللذات والمعاصي.

الثالثة: روى الترمذي وأبو داود عن أنس بن حكيم الضبي أنه أتى المدينة فلقي أبا هريرة فقال له: يا فتى ألا أحدّثك حديثاً لعل الله تعالى أن ينفعك به؛ قلت: بلى. قال: «إن أوّل ما يحاسَب به الناس يوم القيامة من أعمالهم الصلاة فيقول الله تبارك وتعالى لملائكته وهو أعلم انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئاً قال انظروا هل لعبدي من تطوّع فإن كان له تطوّع قال: أكملوا لعبدي فريضته من تطوّعه ثم تؤخذ الأعمال على ذلك». قال يونس: وأحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لفظ أبي داود. وقال: حدّثنا موسى بن إسماعيل حدّثنا حماد حدّثنا داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداريّ عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى. قال: «ثم الزكاة مثل ذلك» «ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك». وأخرجه النسائي عن همام عن الحسن عن حُرَيث بن قَبِيصة عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة بصلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر ـ قال همام: لا أدري هذا من كلام قتادة أو من الرواية ـ فإن انتقص من فريضته شيء قال: انظروا هل لعبدي من تطوّع فيكمل به ما نقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على نحو ذلك" . خالفه أبو العوام فرواه عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن وجدت تامة كتبت تامة وإن كان انتقص منها شيء قال: انظروا هل تجدون له من تطوّع يكمل ما ضيع من فريضته من تطوّعه ثم سائر الأعمال تجري على حسب ذلك" . قال النسائي: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدّثنا النضر بن شميل قال: أنبأنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن يحيـى بن يعمر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أكملها وإلا قال الله عز وجل: انظروا لعبدي من تطوّع فإن وجد له تطوّع قال: أكملوا به الفريضة" . قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب «التمهيد»: أما إكمال الفريضة من التطوّع فإنما يكون ـ والله أعلم ـ فيمن سها عن فريضة فلم يأت بها، أو لم يحسن ركوعها وسجودها ولم يدر قدر ذلك؛ وأما من تركها، أو نسي ثم ذكرها، فلم يأت بها عامداً، واشتغل بالتطوّع عن أداء فرضها وهو ذاكر له، فلا تكمل له فريضة من تطوّعه، والله أعلم. وقد روي من حديث الشاميين في هذا الباب حديث منكر يرويه محمد بن حمير عن عمرو بن قيس السَّكُوني عن عبد الله بن قُرْط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاة لم يكمل فيها ركوعه وسجوده زيد فيها من تسبيحاته حتى تتم" . قال أبو عمر: وهذا لا يحفظ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وليس بالقوّي؛ وإن كان صح كان معناه أنه خرج من صلاة كان قد أتمها عند نفسه وليست في الحكم بتامة (والله أعلم..)

قلت: فينبغي للإنسان أن يحسن فرضه ونفله حتى يكون له نفل يجده زائداً على فرضه يقرّبه من ربه، كما قال سبحانه وتعالى: "وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه" الحديث. فأما إذا كان نفل يكمل به الفرض فحكمه في المعنى حكم الفرض. ومن لا يحسن أن يصلي الفرض فأحرى وأولى ألا يحسن التنفل؛ لا جرم تنفل الناس في أشدّ ما يكون من النقصان والخلل لخفته عندهم، وتهاونهم به، حتى كأنه غير معتد به. ولعمر الله لقد يشاهد في الوجود من يشار إليه، ويظن به العلم تنفله كذلك؛ بل فرضه إذ ينقره نقر الديك لعدم معرفته بالحديث؛ فكيف بالجهال الذين لا يعلمون. وقد قال العلماء: ولا يجزىء ركوع ولا سجود، ولا وقوف بعد الركوع، ولا جلوس بين السجدتين، حتى يعتدل راكعاً وواقفاً وساجداً وجالساً. وهذا هو الصحيح في الأثر، وعليه جمهور العلماء وأهل النظر. وهذه رواية ابن وهب وأبي مصعب عن مالك. وقد مضى هذا المعنى في «البقرة». وإذا كان هذا فكيف يكمل بذلك التنفل ما نقص من هذا الفرض على سبيل الجهل والسهو؟! بل كل ذلك غير صحيح ولا مقبول؛ لأنه وقع على غير المطلوب. والله أعلم.

الرابعة: قوله تعالى: { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ } وعن علي رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: «واتبعوا الشهواتِ» هو من بنى (المشيد) وركب المنظور، ولبس المشهور.

قلت: الشهوات عبارة عما يوافق الإنسان ويشتهيه ويلائمه ولا يتقيه. وفي الصحيح: "حُفَّت الجنة بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات" . وما ذكر عن علي رضي الله عنه جزء من هذا.

قوله تعالى: { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } قال ابن زيد: شراً أو ضلالاً أو خيبة، قال:

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمرهومن يَغْوَ لا يعدمْ على الغَيِّ لائما

وقال عبد الله بن مسعود: هو وادٍ في جهنم. والتقدير عند أهل اللغة فسوف يلقون هذا الغيّ؛ كما قال جل ذكره: { { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [الفرقان: 68]. والأظهر أن الغيّ اسم للوادي سمي به لأن الغاوين يصيرون إليه. قال كعب: يظهر في آخر الزمان قوم بأيديهم سياط كأذناب البقر، ثم قرأ الآية { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } أي هلاكاً وضلالاً في جهنم. وعنه: غيٌّ واد في جهنم أبعدها قعراً؛ وأشدّها حراً، فيه بئر يسمى البهيم، كلما خبت جهنم فتح الله تعالى تلك البئر فتسعر بها جهنم. وقال ابن عباس: غيٌّ وادٍ في جهنم، وأن أودية جهنم لتستعيذ من حره، أعدّ الله تعالى ذلك الوادي للزاني المصر على الزنى، ولشارب الخمر المدمن عليه، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه، ولأهل العقوق، ولشاهد الزور، ولامرأة أدخلت على زوجها ولداً ليس منه.

قوله تعالى: { إِلاَّ مَن تَابَ } أي من تضييع الصلاة واتباع الشهوات، فرجع إلى طاعة ربه. { وَآمَنَ } به { وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ }. قرأ أبو جعفر وشيبة وابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر «يُدْخَلُون» بفتح الخاء. وفتح الياء الباقون. { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } أي لا ينقص من أعمالهم الصالحة شيء، إلا أنهم يكتب لهم بكل حسنة عشر إلى سبعمائة. { جَنَّاتِ عَدْنٍ } بدلاً من الجنة فانتصبت. قال أبو إسحاق الزجاج: ويجوز «جَنَّاتُ عَدْنٍ» على الابتداء. قال أبو حاتم: ولولا الخط لكان «جَنَّةَ عدنٍ» لأن قبله { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ }. { ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ } أي من عبده وحفظ عهده بالغيب. وقيل: آمنوا بالجنة ولم يروها. { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } «مأتيا» مفعول من الإتيان. وكل ما وصل إليك فقد وصلت إليه؛ تقول: أتت عليّ ستون سنة وأتيت على ستين سنة. ووصل إليّ من فلان خير ووصلت منه إلى خير. وقال القتبي: «مأتيا» بمعنى آتٍ فهو مفعول بمعنى فاعل. و«مأتيا» مهموز لأنه من أتى يأتي. ومن خفف الهمزة جعلها ألفاً. وقال الطبري: الوعد هاهنا الموعود وهو الجنة؛ أي يأتيها أولياؤه. { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } أي في الجنة. واللغو معناه الباطل من الكلام والفحش منه والفضول وما لا ينتفع به. ومنه الحديث: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" ويروى «لغيت» وهي لغة أبي هريرة؛ كما قال الشاعر:

وَرَبِّ أسْرَابِ حَجِيجَ كُظَّمِعن اللَّغَا ورَفَثِ التَّكَلُّمِ

قال ابن عباس: اللغو كل ما لم يكن فيه ذكر الله تعالى؛ أي كلامهم في الجنة حمد الله وتسبيحه. { إِلاَّ سَلاَماً } أي لكن يسمعون سلاماً فهو من الاستثناء المنقطع، يعني سلام بعضهم على بعض، وسلام الملك عليهم، قاله مقاتل وغيره. والسلام اسم جامع للخير؛ والمعنى أنهم لا يسمعون فيها إلا ما يحبون. قوله تعالى: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي لهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب بكرة وعشيا؛ أي في قدر هذين الوقتين؛ إذ لا بكرة ثَمَّ ولا عشياً؛ كقوله تعالى: { { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } [سبأ: 12] أي قدر شهر؛ قال معناه ابن عباس وابن جريج وغيرهما. وقيل: عرّفهم اعتدال أحوال أهل الجنة؛ وكان أهنأ النعمة عند العرب التمكين من المطعم والمشرب بكرة وعشيا. قال يحيـى بن أبي كثير وقتادة: كانت العرب في زمانها من وجد غداء وعشاء معاً فذلك هو الناعم؛ فنزلت. وقيل: أي رزقهم فيها غير منقطع، كما قال: "لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ" وهو كما تقول: أنا أصبح وأمسي في ذكرك. أي ذكري لك دائم. ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم؛ لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال. وهذا يرجع إلى القول الأوّل. وروى الزبير بن بكار عن إسماعيل بن أبي أويس قال: قال مالك بن أنس: طعام المؤمنين في اليوم مرتان، وتلا قول الله عز وجل: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } ثم قال: وعوّض الله عز وجل المؤمنين في الصيام السحور بدلاً من الغداء ليقووا به على عبادة ربهم. وقيل: إنما ذكر ذلك لأن صفة الغداء وهيئته غير صفة العشاء وهيئته؛ وهذا لا يعرفه إلا الملوك. وكذلك يكون في الجنة رزق الغداء غير رزق العشاء تتلون عليهم النعم ليزدادوا تنعماً وغبطة. وخرج الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول» من حديث أبان عن الحسن وأبي قِلابة قالا: "قال رجل: يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيّجك على هذا قال: سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } فقلت: الليل بين البكرة والعشي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك ليل إنما هو ضوء ونور يردُّ الغدوّ على الرواح والرواح على الغدوّ وتأتيهم طُرَف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة" وهذا في غاية البيان لمعنى الآية، وقد ذكرناه في كتاب «التذكرة». وقال العلماء: ليس في الجنة ليل ولا نهار، وإنما هم في نور أبداً؛ إنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب، وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدارالنهار برفع الحجب وفتح الأبواب. ذكره أبو الفرج الجوزيّ والمهدويّ وغيرهما.

قوله تعالى: { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي } أي هذه الجنة التي وصفنا أحوال أهلها { نُورِثُ } بالتخفيف. وقرأ يعقوب «نُوَرِّثُ» بفتح الواو وتشديد الراء. والاختيار التخفيف؛ لقوله تعالى: «ثم أورثنا الكتاب». { مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } قال ابن عباس: أي من اتقاني وعمل بطاعتي. وقيل: هو على التقديم والتأخير، تقديره: نورث من كان تقياً من عبادنا.